16 مايو 2021
أزمة كورونا وتأطير السلوك الاستهلاكي في الإعلام
الخوف من المستقبل بات شعوراً ملازماً للكثيرين، في ظل أزمة انتشار فيروس كورونا والظروف الاقتصادية العصيبة التي يعيشها العالم في الآونة الأخيرة.
حالة من الخوف والترقب لدى المستهلك لما هو آتٍ، انعكست على معدل طلبه تجاه السلع المختلفة هذه الأيام، ولعل أبرز ما يُقلق السكان نقص المواد الغذائية والذي يقابله الارتفاع المستمر في الأسعار وهو ما يمثل هاجساً يهدد أمنهم المعيشي؛ لأن الارتفاعات المتواصلة في أسعار مختلف السلع خاصة الأساسية منها تعود سلبًا على ثقتهم في قدراتهم على توفير وشراء هذه السلعة في الغد، مما أدى إلى ترجمة شعور الخوف لسلوك فعلي بزيادة الطلب ومعدلات الشراء.
أخيراً شمل السلوك الاستهلاكي كل شيء، وأصبح يسيطر على تصرفات الأفراد وسلوكهم بطريقة مفرطة، فالمراقب الحالي يلاحظ من خلال متابعة ما يرد في الإعلام إشارات عالمية لازدياد الاستهلاك؛ على سبيل المثال ارتفع استهلاك المياه في إيران بنسبة 20% منذ بدء موجة كورونا، وفي تونس تضاعف الاستهلاك الغذائي للفرد بنسبة 10 مرات يومياً، أما الفضاء التجاري فقد أصبح يتزود بالسلع بمعدل 4 مرات أسبوعياً مقارنة بما قبل الأزمة، وفي بريطانيا ارتفع مستوى الاستهلاك بنسبة 1.9% خلال شهر فبراير فقط، وقد ارتبط هذا الارتفاع بتزايد وتيرة الاستهلاك والشراء الإلكتروني أيضاً، هذه الأرقام وإن كانت تختلف من بلدٍ لآخر إلا أنها تعبّر عن أن اللهفة الاستهلاكية أو "حمى الشراء" أضحت ظاهرة عالمية.
وهذا ما يدفعنا إلى السؤال؛ هل تؤثر طبيعة التغطية الإعلامية والتأطير الإخباري المستخدم في ارتفاع الشعور بالخوف، بما يؤثر على السلوك الاستهلاكي ويزيد من معدلات الشراء حتى تصل إلى حدود الإسراف؟
كثير من الدراسات البحثية كشف أن لاستراتيجيات التأطير الإعلامي دوراً أساسياً في التأثير في السلوك الاستهلاكي للمشاهد، حيث أثبتت النتائج أن اختلاف الأطر المستخدمة يؤثر على الطريقة التي ينظر بها الأفراد إلى المخاطر المحيطة فيه، كما أن التعابير اللغوية المختلفة والعوامل البصرية المستخدمة تؤثر على مواقف رد الفعل وقد تسهم في تغير نظرة الجمهور لهذه المخاطر.
وربما خير دليل على ذلك هو طبيعة الأطر الإعلامية التي تم توظيفها خلال أزمة كورونا، والتي وإن كانت تنبع من رغبة في توعية السكان بمخاطر المرض، وحثهم على اتخاذ الإجراءات الحكومية على محمل الجد، لكنها دفعت المواطنين للشعور بالخوف والتحصن أمام الإغلاق وشبح كورونا بمزيد من الاستهلاك للمواد الغذائية والحاجيات الأساسية، خاصةً وأن أغلب التصريحات أكدت غياب سقف زمني محدد لتلاشي الكورونا، كما ارتبطت بدعوات الإغلاق الدولي للحدود وما يرتبط بها من انخفاض معدلات الاستيراد وبالتالي ازدياد الأسعار الآجلة للسلع.
يؤكد الباحثون في هذا السياق أن الأزمات الكبرى، (مثل كورونا)، وما تعكسه من تخبط في الأداء الحكومي- الذي بدا سمةً عامة بين حكومات العالم- تؤدي إلى تآكل ثقة المواطن بالحكومة، واعتقاده الجازم بعدم قدرتها على تلبية حاجياته الأساسية، وبالتالي يتطور تفاعل المواطن مع التصورات السلبية القاتمة ويظهر الخوف الفطري في داخله والرغبة في حماية نفسه وعائلته ولو بشكلٍ لا واعٍ.
وفي تحليل لكيفية تفاعل المستهلك مع الأطر الإعلامية في الأزمات والمخاطر فإنها تنحصر في مستويين، الأول؛ حيث تقوم فيه الوسائل الإعلامية بإنشاء أطر للمخاطر تخدم أهدافها ثم تعمل على تعزيزها بالمعلومات وتصفيتها وإعادة تكوينها، ولهذا عند اختيار القصة وعرضها، غالبًا ما يستخدم الصحافيون استراتيجيات تأطير مثل إطار "يمكن أن تكون أنت"، حيث يخلق هذا الإطار الشعور بالخطر الشخصي لدى المستهلك وتجعله يخصص لهذا الحدث مزيداً من العواطف والمشاعر على رأسها الخوف وعدم الاستقرار؛ وهنا تشير الأبحاث إلى أن الرسائل الإعلامية تميل عادةً إلى تسليط الضوء على الآثار السلبية أكثر من الإيجابية.
في المستوى الثاني؛ تخضع ترجمة وتفسير المخاطر لمزيد من عمليات الصقل وإعادة التحليل والتوضيح على المستويين الفردي والاجتماعي، بطرق تكثف أو تخفف من تصورات المخاطر والمخاوف مما يُشكل سلوك الأفراد وتوقعاتهم للمخاطر، والذي يُعرف بإطار التضخيم الاجتماعي للمخاطر.
وبالتالي، فإن سلوك المستهلك، الذي هو دالة لمقدار الخطر الذي يدركه مقارنة بمستوى الخطر الفعلي، يمكن أن يتأثر بالمعلومات التي تلقاها سواء عبر الإعلام مباشرة أو عبر البيئة الاجتماعية المحيطة به.
وفي شرح ميكانيزم التأطير الإعلامي في السلوك الاستهلاكي، فإن الأطر الإعلامية تسعى إلى التأثير في الميـول السـلوكـية لدى المستهلك الذي ينجذب لمتابعة التغطية الإعلامية، والمقصود بالميول السلوكية هو أحاسيس الفرد وميوله وموقفه السلبي أو الإيجابي تجاه حدث معين. وميول الفرد لها علاقة وثيقة بالسلوك الاستهلاكي، إذ إن الانطباعات التي يكونها المستهلك تجاه المخاطر المحيطة فيه ستحدد ما إذا كان الفرد سينظر بعين الخوف أو الثقة إلى توافر الخدمات والسلع الأساسية.
وإذا قمنا بتحليل مكونات الميول السلوكية، يتبين لنا أن هناك ثلاثة أجزاء مكونة للميل أو الاتجاه:
1. المكون الإدراكي: وهو يعتمد على الطريقة التي تعبر عن النظرة الشخصية والتقييم الذاتي من قبل الفرد للحدث أو الأزمة.
2. المكون العاطفي: أي العواطف الإيجابية أو السلبية تجاه الحدث أو الأزمة والتي تنتج من المكون الأول (الإدراكي).
3. المكون السلوكي: أي تصرف الفرد إزاء الأزمة.. فإذا افترضنا مثلا أن المستهلك اعتقد لسبب من الأسباب أن السلع سوف تنقص في الفترة القادمة من الأسواق (مكون إدراكي)، ولذلك ستتكون لديه أحاسيس سلبية وشعور بالخوف (مكون عاطفي) وهذا ما يدفع المستهلك إلى مزيد من الاستهلاك ليمنحه شعوراً بالاستقرار والأمان (مكون سلوكي).
وفي الحقيقة، فإن الميول السلوكية متداخلة ومترابطة ولا تعمل بشكل مستقل، بمعنى أن هذه الميول توجد في مجموعات متداخلة ومعقدة التركيب وتتبع نفس الاتجاه العام.
وهنا؛ ومن منطلق المسؤولية الاجتماعية للإعلام في ظل الأزمة الحالية، عليه استخدام أطر إعلامية واعية ومتوازنة، لا تعبث بالأمن النفسي للمواطن، ولا تدعوه في الوقت ذاته للتهاون والاستهتار، كما أن عليه الدعوة إلى ترشيد الاستهلاك والدفع إلى الاستهلاك الواعي القائم على التدبير والتوازن والبساطة والاكتفاء الذاتي والاستعمال الأمثل للموارد، والسعي لتحقيق منفعة الإنسان وعدم المبالغة والإسراف، وذلك عبر إجراءاتٍ وخططٍ واعيةٍ توجّه الفرد للطريق الأمثل؛ لتحقيقِ تنمية مستدامة هدفها حفظُ حقوق الأفراد في الحاضر والمستقبل.
حالة من الخوف والترقب لدى المستهلك لما هو آتٍ، انعكست على معدل طلبه تجاه السلع المختلفة هذه الأيام، ولعل أبرز ما يُقلق السكان نقص المواد الغذائية والذي يقابله الارتفاع المستمر في الأسعار وهو ما يمثل هاجساً يهدد أمنهم المعيشي؛ لأن الارتفاعات المتواصلة في أسعار مختلف السلع خاصة الأساسية منها تعود سلبًا على ثقتهم في قدراتهم على توفير وشراء هذه السلعة في الغد، مما أدى إلى ترجمة شعور الخوف لسلوك فعلي بزيادة الطلب ومعدلات الشراء.
أخيراً شمل السلوك الاستهلاكي كل شيء، وأصبح يسيطر على تصرفات الأفراد وسلوكهم بطريقة مفرطة، فالمراقب الحالي يلاحظ من خلال متابعة ما يرد في الإعلام إشارات عالمية لازدياد الاستهلاك؛ على سبيل المثال ارتفع استهلاك المياه في إيران بنسبة 20% منذ بدء موجة كورونا، وفي تونس تضاعف الاستهلاك الغذائي للفرد بنسبة 10 مرات يومياً، أما الفضاء التجاري فقد أصبح يتزود بالسلع بمعدل 4 مرات أسبوعياً مقارنة بما قبل الأزمة، وفي بريطانيا ارتفع مستوى الاستهلاك بنسبة 1.9% خلال شهر فبراير فقط، وقد ارتبط هذا الارتفاع بتزايد وتيرة الاستهلاك والشراء الإلكتروني أيضاً، هذه الأرقام وإن كانت تختلف من بلدٍ لآخر إلا أنها تعبّر عن أن اللهفة الاستهلاكية أو "حمى الشراء" أضحت ظاهرة عالمية.
وهذا ما يدفعنا إلى السؤال؛ هل تؤثر طبيعة التغطية الإعلامية والتأطير الإخباري المستخدم في ارتفاع الشعور بالخوف، بما يؤثر على السلوك الاستهلاكي ويزيد من معدلات الشراء حتى تصل إلى حدود الإسراف؟
كثير من الدراسات البحثية كشف أن لاستراتيجيات التأطير الإعلامي دوراً أساسياً في التأثير في السلوك الاستهلاكي للمشاهد، حيث أثبتت النتائج أن اختلاف الأطر المستخدمة يؤثر على الطريقة التي ينظر بها الأفراد إلى المخاطر المحيطة فيه، كما أن التعابير اللغوية المختلفة والعوامل البصرية المستخدمة تؤثر على مواقف رد الفعل وقد تسهم في تغير نظرة الجمهور لهذه المخاطر.
وربما خير دليل على ذلك هو طبيعة الأطر الإعلامية التي تم توظيفها خلال أزمة كورونا، والتي وإن كانت تنبع من رغبة في توعية السكان بمخاطر المرض، وحثهم على اتخاذ الإجراءات الحكومية على محمل الجد، لكنها دفعت المواطنين للشعور بالخوف والتحصن أمام الإغلاق وشبح كورونا بمزيد من الاستهلاك للمواد الغذائية والحاجيات الأساسية، خاصةً وأن أغلب التصريحات أكدت غياب سقف زمني محدد لتلاشي الكورونا، كما ارتبطت بدعوات الإغلاق الدولي للحدود وما يرتبط بها من انخفاض معدلات الاستيراد وبالتالي ازدياد الأسعار الآجلة للسلع.
يؤكد الباحثون في هذا السياق أن الأزمات الكبرى، (مثل كورونا)، وما تعكسه من تخبط في الأداء الحكومي- الذي بدا سمةً عامة بين حكومات العالم- تؤدي إلى تآكل ثقة المواطن بالحكومة، واعتقاده الجازم بعدم قدرتها على تلبية حاجياته الأساسية، وبالتالي يتطور تفاعل المواطن مع التصورات السلبية القاتمة ويظهر الخوف الفطري في داخله والرغبة في حماية نفسه وعائلته ولو بشكلٍ لا واعٍ.
وفي تحليل لكيفية تفاعل المستهلك مع الأطر الإعلامية في الأزمات والمخاطر فإنها تنحصر في مستويين، الأول؛ حيث تقوم فيه الوسائل الإعلامية بإنشاء أطر للمخاطر تخدم أهدافها ثم تعمل على تعزيزها بالمعلومات وتصفيتها وإعادة تكوينها، ولهذا عند اختيار القصة وعرضها، غالبًا ما يستخدم الصحافيون استراتيجيات تأطير مثل إطار "يمكن أن تكون أنت"، حيث يخلق هذا الإطار الشعور بالخطر الشخصي لدى المستهلك وتجعله يخصص لهذا الحدث مزيداً من العواطف والمشاعر على رأسها الخوف وعدم الاستقرار؛ وهنا تشير الأبحاث إلى أن الرسائل الإعلامية تميل عادةً إلى تسليط الضوء على الآثار السلبية أكثر من الإيجابية.
في المستوى الثاني؛ تخضع ترجمة وتفسير المخاطر لمزيد من عمليات الصقل وإعادة التحليل والتوضيح على المستويين الفردي والاجتماعي، بطرق تكثف أو تخفف من تصورات المخاطر والمخاوف مما يُشكل سلوك الأفراد وتوقعاتهم للمخاطر، والذي يُعرف بإطار التضخيم الاجتماعي للمخاطر.
وبالتالي، فإن سلوك المستهلك، الذي هو دالة لمقدار الخطر الذي يدركه مقارنة بمستوى الخطر الفعلي، يمكن أن يتأثر بالمعلومات التي تلقاها سواء عبر الإعلام مباشرة أو عبر البيئة الاجتماعية المحيطة به.
وفي شرح ميكانيزم التأطير الإعلامي في السلوك الاستهلاكي، فإن الأطر الإعلامية تسعى إلى التأثير في الميـول السـلوكـية لدى المستهلك الذي ينجذب لمتابعة التغطية الإعلامية، والمقصود بالميول السلوكية هو أحاسيس الفرد وميوله وموقفه السلبي أو الإيجابي تجاه حدث معين. وميول الفرد لها علاقة وثيقة بالسلوك الاستهلاكي، إذ إن الانطباعات التي يكونها المستهلك تجاه المخاطر المحيطة فيه ستحدد ما إذا كان الفرد سينظر بعين الخوف أو الثقة إلى توافر الخدمات والسلع الأساسية.
وإذا قمنا بتحليل مكونات الميول السلوكية، يتبين لنا أن هناك ثلاثة أجزاء مكونة للميل أو الاتجاه:
1. المكون الإدراكي: وهو يعتمد على الطريقة التي تعبر عن النظرة الشخصية والتقييم الذاتي من قبل الفرد للحدث أو الأزمة.
2. المكون العاطفي: أي العواطف الإيجابية أو السلبية تجاه الحدث أو الأزمة والتي تنتج من المكون الأول (الإدراكي).
3. المكون السلوكي: أي تصرف الفرد إزاء الأزمة.. فإذا افترضنا مثلا أن المستهلك اعتقد لسبب من الأسباب أن السلع سوف تنقص في الفترة القادمة من الأسواق (مكون إدراكي)، ولذلك ستتكون لديه أحاسيس سلبية وشعور بالخوف (مكون عاطفي) وهذا ما يدفع المستهلك إلى مزيد من الاستهلاك ليمنحه شعوراً بالاستقرار والأمان (مكون سلوكي).
وفي الحقيقة، فإن الميول السلوكية متداخلة ومترابطة ولا تعمل بشكل مستقل، بمعنى أن هذه الميول توجد في مجموعات متداخلة ومعقدة التركيب وتتبع نفس الاتجاه العام.
وهنا؛ ومن منطلق المسؤولية الاجتماعية للإعلام في ظل الأزمة الحالية، عليه استخدام أطر إعلامية واعية ومتوازنة، لا تعبث بالأمن النفسي للمواطن، ولا تدعوه في الوقت ذاته للتهاون والاستهتار، كما أن عليه الدعوة إلى ترشيد الاستهلاك والدفع إلى الاستهلاك الواعي القائم على التدبير والتوازن والبساطة والاكتفاء الذاتي والاستعمال الأمثل للموارد، والسعي لتحقيق منفعة الإنسان وعدم المبالغة والإسراف، وذلك عبر إجراءاتٍ وخططٍ واعيةٍ توجّه الفرد للطريق الأمثل؛ لتحقيقِ تنمية مستدامة هدفها حفظُ حقوق الأفراد في الحاضر والمستقبل.