أزمة مالية في دبي...125 مليار دولار ديون الحكومة وشركاتها

02 أكتوبر 2019
البنايات الجديدة ترفع المعروض وتضرب العقارات (Getty)
+ الخط -
تخفي الأبراج الشاهقة والحياة المخملية في إمارة دبي، أزمة مالية متنامية، يمكن أن تنفجر في أية لحظة كما تقول تقارير متخصصة. حيث تقدر وكالة "ستاندرد آند بورز غلوبال" الأميركية للتصنيف، ديون حكومة دبي بحوالى 65 مليار دولار، أي ما يعادل 56% من إجمالي الناتج المحلي.

بينما تقدر الوكالة ديون الشركات الحكومية بدبي بحوالى 60 مليار دولار. وبالتالي يمكن القول إن إجمالي ديون حكومة دبي وشركاتها تقدر بحوالى 125 مليار دولار، وهو مبلغ يفوق إجمالي الناتج المحلي للإمارة. ولكن رائد صفدي كبير المستشارين الاقتصاديين في دائرة التنمية الاقتصادية بدبي قال اليوم الأربعاء، إن الإمارة مستمرة في خدمة ديونها ومستعدة للحصول على المزيد من الدين إذا اقتضت الضرورة، مضيفاً أن الدين الحالي لدبي يبلغ 124 مليار دولار.

وترتفع مستويات الديون بإمارة دبي، التي أسست نفسها كمركز مالي وتجاري بالمنطقة العربية، وسط مستنقع الكساد الذي يضرب القطاع العقاري والمناخ الجيوسياسي المضطرب والتوتر العسكري بالمنطقة الذي يبعد المستثمرين الأجانب وأثرياء المنطقة عن وضع أموال جديدة في مشاريع التوسع العمراني والخدمي.

وحسب تقرير بوكالة "فيتش" الأميركية، أدى هذا الوضع تلقائياً إلى عدم قدرة هذه الشركات الحكومية على خدمة القروض التي أخذتها من المصارف والتي يحل أجل سداد 50% منها خلال الفترة حتى نهاية العام 2021.

وكانت العديد من التقارير المتخصصة في الاقتصاد والمال قد أشارت إلى كمون أزمة مصرفية بدبي قد تشعلها العقارات خلال الفترة المقبلة. ووفقاً لهذه التقارير انطلقت صفارة الإنذار  لمخاطر استثمارية في العديد من العواصم الغربية، حيث حذر الاقتصادي البريطاني سايمون كونستابل في مقال تحليلي بـ "مجلة فوربس" الأميركية، المستثمرين من اقتراب انفجار أزمة مالية بدبي.

وقال الاقتصادي كونستابل في تحليله، "الأزمة المالية في دبي تتواصل وسط أوهام النفوذ السياسي للنظام الحاكم بدولة الإمارات التي دفعته للإنفاق على النزاعات المسلحة بالمنطقة ونشر الفوضى والتخريب وتناسي الإنفاق على الاقتصاد المحلي".

وقالت ورقة بحثية أعدها مركز الإمارات للدراسات والإعلام، في العام الماضي، إن الإمارات تنفق قرابة 1.3 مليار دولار شهرياً في اليمن، في العمليات البرية والجوية ضمن التحالف الذي تقوده السعودية، أو ما يقدر بحوالى 16 مليار دولار سنوياً، ولكن صحيفة "وول ستريت جورنال" تقدر المبلغ بحوالى 13 مليار دولار سنوياً.
من جانبها قالت مؤسسة " كابيتال إيكونومكس" البريطانية، " بعد مرور عقد من الزمان فإن أزمة دبي المالية لم تنته". أما وكالة فيتش الأميركية للتصنيف الائتماني فقالت "إن مزيجاً من الزيادة الكبيرة في المعروض العقاري وضعف الطلب والمناخ الاقتصادي غير الملائم للاستثمار أثر على أسعار العقارات بدبي".
وأضافت في تقريرها، أن التوتر الجيوسياسي وارتفاع سعر صرف الدرهم ساهما في ابتعاد المستثمرين عن الإمارة.

وفي أول المؤشرات على وجود الأزمة، لم تتمكن شركة دبي لصناعة الطيران من الاتفاق على طلبية كبيرة من إيرباص وبوينغ، كانت تتفاوض عليها منذ مدة، وفقاً لما ذكرت رويترز مساء الاثنين.
وتم تأسيس دبي لصناعات الطيران في 2006، بهدف أن تكون واحدة من أكبر شركات تأجير الطائرات في العالم، لكنها بدأت إلغاء طلبيات في 2010 مع نضوب التمويل في أعقاب أزمة ديون دبي. وها هي تعود لإلغاء الطلبيات في خطوة شبيهة بما حدث في العام 2010.

كما شرعت المصارف بالإمارات فعلياً في جدولة 3 مليارات دولار من ديونها على شركات عقارية وشركات مقاولات من بينها مجموعة الجابر للمقاولات وشركة المالك المالية.

وكانت حكومة دبي قد عقدت في العاشر من الشهر الماضي، محادثات مع مصارف دولية بهدف ترتيب قروض عبر إصدار سندات دولية مقومة بالدولار. ولكن من غير المعروف ما الذي جرى بالنسبة لهذه الترتيبات التي تدور المحادثات بشأنها في الخفاء. 

ولكن من المؤكد أن المصارف العالمية ربما ستفرض رسوماً مرتفعة في حال إصدار هذه القروض الدولارية. كما أن مصرف "ستاندرد تشارترد" قد أعلن أمس الثلاثاء، خفض وظائف رئيسية في فرعه بدبي، قائلاً إن الأمارة لم تعد تحقق عوائد لعملياته. 

وبالتالي، فإن المؤشرات على الأزمة المالية تتزايد بدبي ومن غير المستبعد أن تنتقل من قطاع العقارات إلى قطاع المصارف خلال العام الجديد ومع التقدم في محادثات إعادة جدولة الديون المشكوك في تحصيلها. 
وحسب وكالة فيتش الأميركية، فإن حوالى 23 مليار دولار من ديون الشركات الحكومية بدبي تتحملها محافظ المصارف في دولة الإمارات. وليس معروفاً حتى الآن كيفية تعامل الشركات الحكومية في دبي مع هذه الديون، وما إذا كانت المصارف في الإمارات ستتحمل عملية إعادة هيكلة جديدة للديون مثلما حدث إبان الأزمة المالية عام 2008.

وكانت إمارة أبوظبي قد اضطرت في العقد الماضي لإنقاذ دبي عبر قرض 20 مليار دولار وقتها، ولم تسدد إمارة دبي منها سوى 10 مليارات دولار. وترى الوكالة المالية، أن قطاع العقارات بدبي سيواصل التدهور خلال العامين المقبلين، بعد أن هبطت أسعاره بنسبة 27% منذ العام 2014. وهو مؤشر آخر على أن الأزمة لن تكون طارئة وإنما ستستمر مع استمرار تدهور القطاع العقاري. 

وكان رئيس الوزراء حاكم إمارة دبي محمد بن راشد آل مكتوم، قد عين لجنة عقارية جديدة للتنسيق العقاري بهدف وقف عمليات الإنشاءات التي أدت إلى التدهور العقاري. ولكن المشكلة التي تعانيها دبي لا تنحصر في المعروض فقط ولكن كذلك في انكماش الطلب من قبل المستثمرين.

وقالت فيتش في تقريرها "إعادة هيكلة القروض المصرفية على شركات العقارات والمقاولات والقطاعات المصاحبة لها تواصل الارتفاع". كما تتوقع المزيد من عمليات الهيكلة للقروض المصرفية واستفحال المصاعب المالية وأزمات السيولة خلال فترة الـ12 ـ 18 شهراً المقبلة في القطاع المصرفي". وهو ما يعني أن نوعية أصول المصارف الإماراتية ستتعرض للضعف.

وبالتالي فهنالك مخاوف حقيقية على المصارف الإماراتية الغارقة في قروض القطاع العقاري، حيث قالت فيتش في تقريرها، إن جزءاً كبيراً من القروض على الشركات الحكومية بدبي مقترضة من البنوك المحلية، ويحل أجل سدادها بنهاية العام 2021.

وتأتي هذه الأزمة المالية الجديدة، في وقت مختلف تماماً عن الأزمة المالية السابقة التي مرت بها إمارة دبي في العام 2008، حيث إن الإمارة، ستعاني هذه المرة، بالإضافة إلى الإنهيار في قطاع العقارات، من مجموعة عوامل سالبة، أهمها:

هروب الأثرياء والمستثمرين الأجانب من إمارة دبي بسبب عدم الأمان والاستقرار الجيوسياسي وسط مخاطر الطائرات المسيرة التي تطلقها مليشيا الحوثي في اليمن والتوتر العسكري بين إيران والولايات المتحدة، حيث إن دولة الإمارات لها ضلع في هذا التوتر. وهذا المناخ السياسي والأمني غير المستقر يرفع من كلف التأمين ويرفع من مخاطر الاستثمار.

كما تعاني الإمارة كذلك من هروب مستثمري الأجل الطويل من أثرياء السعودية الذين سحبوا مبالغ ضخمة من البنوك الإماراتية، وحولوها لمراكز مالية غربية في لندن وسويسرا وألمانيا خوفاً من تجميدها أو وضع اليد عليها من قبل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كما فعل مع سجناء فندق الريتز في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2017. كما سحب أثرياء قطر كذلك استثماراتهم العقارية والمصرفية بعد الحصار الرباعي ضد الدوحة.

ويلاحظ أن هنالك تعارضاً واضحاً بين طموحات ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد الذي يرغب في تمديد نفوذه عبر دعم المليشيات في العديد من الدول، على رأسها اليمن وليبيا والسودان، وبين طموحات حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد الذي وضع استراتيجية دبي على أسس منطقة آمنة للاستثمار وخالية من الضرائب والقيود.

وبالتالي، فإن رجال الأعمال في دبي منزعجون من سياسة أبوظبي ولا يرغبون في النزاعات، وهم يعبرون عبر هذا الانزعاج الذي أشارت إليه كل من صحيفة "فاينانشيال تايمز" و "وول ستريت جورنال"، عن الرأي الرسمي في دبي الذي عادة لا يقال من قبل القادة في العلن.

وكان رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور قد صب جام غضبه على الولايات المتحدة قبل شهرين، حيث قال إنها لا ترغب في محاربة إيران وإنما ترغب في أخذ أموال المنطقة الخليجية.
كما يلاحظ أن مجموعة من كبار الأثرياء بالأمارة ينتمون للجالية الإيرانية، وهم من كبار المستثمرين ويمثلون حلقة الوصل بين إيران ودبي، وهؤلاء تضرروا من تشديد الحظر الأميركي على الإمارات وتضررت معهم الحركة التجارية مع إيران.

أما العامل الآخر، فهو تدهور مداخيل النفط وخفض الإنفاق الحكومي بدول منطقة الخليج الذي أثر على أعمال الأثرياء وشركاتهم. وهؤلاء الأثرياء وشركاتهم كانوا من أهم عوامل الحركة التجارية والاستثمارية بدبي، خاصة أثرياء السعودية.
المساهمون