يبدو أن الأزمات لن تغادر الرياضة الجزائرية أبداً، في ظل الوضع الصعب الذي تعيشه مختلف الهيئات الرياضية في البلاد، جرّاء تفاقم جملة من المشاكل متعلقة أساساً بالجانب الإداري والمالي، إضافة إلى ما أفرزه الحراك الشعبي السائد في البلاد منذ شهر فبراير الماضي، من نتائج انعكست على الرياضة وهيئاتها.
فبعد الأزمة التي اندلعت عقب تتويج المنتخب الجزائري لكرة القدم بكأس أمم أفريقيا الأخيرة في مصر، وما تبعه من أنباء عن انسحاب وشيك لرئيس اتحاد الكرة خير الدين زطشي، ومعه المدير الفني جمال بلماضي، والتي تم تجاوزها أخيرا، انفجرت أزمة جديدة على مستوى الساحة الرياضية.
لكن هذه المرة بين أكبر هيئتين رياضيتين في البلاد، وهما وزارة الشباب والرياضة التي يدير شؤونها الشاب رؤوف سليم برناوي، واللجنة الأولمبية الجزائرية التي يترأسها "المخضرم" مصطفى بيراف الذي يشغل مناصب دولية أخرى سامية على غرار نائب رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، وكذلك رئيس اللجان الأولمبية الأفريقية.
ودخل الطرفان في حرب تصريحات منذ نهاية شهر أغسطس/آب الماضي، لم تنته فصولها لحد الآن، خاصة أن بعض التسريبات التي نشرتها وسائل إعلام في البلاد ورّطت رئيس اللجنة الأولمبية في الفساد وتبديد المال واستغلال النفوذ لتحقيق مصالح شخصية.
وشكّل هذا الخلاف الحاد بين برناوي وبيراف مفاجأة مدوية للفاعلين في القطاع الرياضي، خاصة أن الوزير الشاب كان منذ تعيينه وزيرا للرياضة في شهر إبريل/نيسان الماضي محسوباً على بيراف وأحد رجال ثقته، حتى أن وسائل الإعلام أكدت وقتها أن بيراف هو من زكّى تعيين برناوي في منصبه في حكومة تصريف الأعمال التي تم تنصيبها بعد استقالة الرئيس السابق للبلاد عبد العزيز بوتفليقة.
قبل أن يبرز الخلاف بينهما إلى العلن من خلال "حرب كلامية" وتراشق بالتصريحات والبيانات، وذلك بسبب تداخل في الصلاحيات بين كل هيئة، جعلت الوزير يخرج من تحت "عباءة" رئيس اللجنة الأولمبية، لاستعادة صلاحياته وسيطرته على تسيير شؤون الرياضة في البلاد.
وبدأت فصول الأزمة على هامش الألعاب الأفريقية الأخيرة التي جرت في المغرب، عندما اتهمت الوزارة اللجنة الأولمبية بترشيح رياضيين للمشاركة في البطولة من دون استشارتها، قبل أن تنفي "الأولمبية" ذلك عبر بيان طالب فيه رئيسها وزير الشباب والرياضة، بضرورة احترام الميثاق الأولمبي.
وكذلك ضبط وتحديد المهام والصلاحيات بين الهيئتين، في ما يخص مشاركة الرياضيين في المنافسات الدولية، كما رفضت اللجنة الأوليمبية قيام الوزير بتقزيم دورها والانتقاص من قيمتها وحصر نشاطاتها فقط في مكافحة المنشطات، وتنظيم الملتقيات والمحاضرات.
بينما رد الوزير برناوي في تصريحات مختلفة لوسائل الإعلام بشكل قوي "ساخر" على اللجنة الأولمبية، إذ قال في مقابلة مع تلفزيون "الشروق" أخيراً: "لا يمكن وصف ما يحدث بيننا وبين اللجنة الأولمبية بالخلاف بالنظر إلى عدم تساوي الموازين"، مضيفاً: "أرفض التدخل في صلاحيات الاتحادات الرياضية، لا يجب أن تكون اللجنة الأولمبية هي الجلاد والضحية في الوقت نفسه"، مشيراً إلى وجود تجاوزات كثيرة جعلت هيئته تتعامل معها بصرامة معها".
ولم تمر تصريحات الوزير مرور الكرام، إذ شهدت الأزمة تطوّراً خطيراً، حيث وجّه عضو المكتب التنفيذي للجنة الأوليمبية عمار براهمية، انتقادات لاذعة للوزير، داعياً إياه إلى مناظرة تلفزيونية لوضع النقاط على الحروف وكشف الحقائق للرأي العام.
وقال براهمية في مؤتمر صحافي عقده نهاية الأسبوع الحالي: "الوزير يقود حملة شرسة ضد اللجنة الأوليمبية هدفها الإطاحة برئيس اللجنة الأوليمبية التي تقوم بواجبها لأجل الارتقاء بكلّ الرياضات، وأنا أتساءل لماذا يتحامل الوزير على هيئتنا، وهو الذي كان يصفق لها عندما كان يشغل منصب رئيس اتحاد المبارزة".
ووصف براهمية الأزمة بين الوزارة واللجنة الأولمبية حالياً بـ "الوضع السلبي الذي لا يخدم الرياضة الجزائرية"، رافضا تدخل الوزارة في عمل اللجنة الأولمبية.
وكشف براهمية خلال المؤتمر الصحافي أيضا عن تعرض هيئته لـ"سرقة" مستندات سرية ووثائق هامة من طرف مسؤول بالوزارة وتقديمها لوسائل الإعلام قصد توريط اللجنة وتشويه صورتها و"إلصاق" تهم الفساد بها، وظهرت بالفعل مستندات تورّط اللجنة الأولمبية في الفساد، حيث نشر موقع "البلاد" المحلي تقريرا أعدّته المفتشية العامة للمالية التابعة لوزارة المالية الجزائرية، أظهر وجود تجاوزات وثغرات مالية، وتبديدا للمال بطريقة غير قانونية من قبل اللجنة الأوليمبية، إذ يعود تاريخ التقرير إلى شهر مايو/أيار 2011.
وكشف التقرير الذي جاء في 58 صفحة منح اللجنة الأولمبية الجزائرية قروضاً لأعضاء اللجنة بقرارات انفرادية من الرئيس بيراف، ودون المرور على اللجنة التنفيذية مثلما تنص عليه القوانين، كما تم منح قروض ومزايا مالية لأربعة أشخاص لا علاقة لهم باللجنة.
كما كشف التقرير أيضاً عن قيام رئيس اللجنة عام 2009 بمنح تمويل "غير شرعي" لإتحاد كرة السلة الذي كان يرأسه سابقا، فضلا عن تلاعبات بشأن تحويل العملة الصعبة إلى الخارج ومخالفة قوانين حركة رؤوس الأموال من وإلى خارج البلاد.
ويظهر التقرير سحب مبلغ 482 ألف دولار موجهة لتمويل الجمعية العامة للجان الأولمبية الأفريقية التي يترأسها بيراف من دون تقديم أي فواتير أو مستندات قانونية، مخالفاً بذلك الإجراءات المعمول بها على مستوى بنك الجزائر، حسب التقرير، الذي خلص إلى وجود العديد من التناقضات والتجاوزات المالية وتبديد للأموال العمومية وغياب الوثائق القانونية المبررة للعديد من الصفقات والمنح وتضخيم الكثير من الفواتير.
وتزامن الكشف عن هذا التقرير مع عقد الوزير برناوي يوم الخميس مؤتمرا صحافيا أكد فيه قيام هيئته بتقديم بعض ملفات الفساد إلى العدالة، مهددا بمتابعة كل من يتورط في الفساد وتبديد المال العام.