كشف الفوران الأخير لأزمة ديون اليونان عن شِقاقات متفاقمة في منطقة اليورو قد تؤدي، ما لم يتم حلها سريعاً، إلى تفكك الوحدة النقدية الأوروبية التي تمثل ذروة المشروعات الطموحة للاتحاد الأوروبي.
وبحسب وكالة "رويترز"، فإن أشد ما يثير قلق الزعماء الأوروبيين هو أن الرأي العام والسياسات المحلية تتجاذبهم على نحو متزايد في اتجاهات متعارضة، ليس فقط بين اليونان وألمانيا، أكبر مدين وأكبر دائن، وإنما تقريباً بين جميع أعضاء الاتحاد.
ولم يعد يقبل الألمان والفنلنديون والهولنديون والسلوفاك ومواطنو دول البلطيق بفكرة توجيه أموال دافعي الضرائب لإنقاذ اليونانيين، وفي المقابل يشعر الفرنسيون والإيطاليون واليونانيون بأن منطقة اليورو لا تعني الآن سوى التقشف والعقاب وأنها تفتقر للتضامن والتحفيز الاقتصادي.
ومع تشبّث دول وسط وشرق أوروبا بمواقفها وتنامي الضغوط الداخلية في هولندا وفنلندا، لم يعد أي حل وسط بين ألمانيا وفرنسا، زعيمتي منطقة اليورو، كافياً لتسوية المشاكل، ناهيك عن صعوبة التوصل إليه أصلاً.
وهناك أطراف كثيرة جداً من أصحاب المصلحة والآراء المتباينة بشكل تزداد معه صعوبة إدارة الأزمة، ويبدو الآن أي إصلاح واسع النطاق للهيكل المتصدّع لمنطقة العملة الموحدة الذي يضم 19 دولة حلماً بعيد المنال.
وبعد أسابيع من الاجتماعات الطارئة التي كانت تمتد حتى الساعات الأولى من الصباح لزعماء ووزراء مالية منطقة اليورو والتي توّجت بمؤتمر قمة استمر حتى صباح اليوم التالي، توصلت منطقة اليورو إلى اتفاق هش يحول دون غرق اليونان ويجعلها محمية افتراضية تخضع لإشراف ينتهك خصوصياتها كدولة مستقلة.
ولا يعتقد سوى قلّة على أحسن تقدير من مؤيدي الاتفاق أنه سينجح فعلياً، وقال رئيس وزراء اليونان ألكسيس تسيبراس إنه اتفاق سيئ سيجعل الحياة أسوأ لليونان، ولكنه اضطر لتجرّع الدواء المر لأن البديل كان أسوأ.
وقال وزير المالية الألماني فولفغانغ شويبله إنه كان من الأفضل لأثينا أن "تخرج من منطقة اليورو مؤقتاً للحصول على إعفاء من الديون"، أما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل فأوضحت أن الميزة الرئيسية للاتفاق هي "تفادي ما هو أسوأ".
اقرأ أيضاً: شكوك حول خطة الإنقاذ الجديدة لليونان رغم عدم إنجازها
وأضافت: "البديل لهذا الاتفاق لن يكون وقتاً مستقطعاً تخرج فيه اليونان من اليورو مؤقتاً.. وإنما فوضى يمكن التنبؤ بها".
وقال مسؤول رفيع بالاتحاد الأوروبي شارك في مفاوضات التوصل للحل الوسط وتحدث لوكالة "رويترز"، مشترطاً عدم الكشف عن اسمه، إن فرصة نجاح الاتفاق الآن "تبلغ 20 وربما 30%".
وأضاف: "عندما أتطلّع للعامين أو الثلاثة أعوام المقبلة أو حتى الثلاثة أشهر المقبلة، لا أرى سوى سحب قاتمة.. كل ما تمكّنّا من عمله هو تفادي خروج فوضوي لليونان من منطقة اليورو".
وستعاود المشاكل الظهور على الأرجح في أواخر أغسطس/ آب أو سبتمبر/ أيلول عندما يتعيّن الانتهاء من المفاوضات التفصيلية بشأن برنامج إنقاذ يستمر ثلاث سنوات.
وبحلول ذلك الحين، ربما يكون اقتصاد اليونان قد انحرف عن مساره بشكل أكبر وربما يكون اليونانيون في طريقهم لانتخابات مبكرة.
وحتى إذا لم تتعثر ثالث صفقة إنقاذ لليونان في ثلاث سنوات في هذه المرحلة، فإن فرص تطبيقها بالكامل وتحقيق انتعاش اقتصادي تبدو ضئيلة.
وساهمت أزمة اليونان في اتّساع هوّة الانقسامات بين دول الوحدة النقدية وباقي دول أوروبا، إذ تصر بريطانيا وجمهورية التشيك على توفير ضمانات لأموال دافعي الضرائب في مقابل استخدام صندوق إنقاذ أوروبي لتوفير تمويل طارئ لليونان.
ولو أن الأزمة اليونانية كانت الهم الوحيد لمنطقة اليورو لربما كان من السهل احتواؤها وحلّها نظراً لأنه لم تظهر على الأسواق المالية بوادر تذكر على انتقال العدوى إلى سندات سيادية ضعيفة أخرى مثلما حدث في عام 2012 وهدد بتمزيق أوصال منطقة اليورو.
واقترح الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند هذا الشهر إقامة برلمان لمنطقة اليورو لإضفاء قدر أكبر من الشرعية الديمقراطية على القرارات، لكن مثل هذه الأفكار الطموحة تتعارض مع الاجتماعات الليلية المحمومة لإدارة الأزمة ومع النبرة القومية المثيرة للانقسام والمتصاعدة في كثير من مداولات منطقة اليورو.
اقرأ أيضاً:
البرلمان اليوناني يوافق على إجراءات التقشف
المفوضية الأوروبية راضية عن اليونان