يقود اقتصاديون وسياسيون في العراق، حملة جديدة لإنعاش القطاع الصناعي بالبلاد الذي فقد جراء الغزو الأميركي في 2003، أغلب مؤهلاته، مخلّفاً معدلات فقر وبطالة غير مسبوقة في العراق.
ربما تأخرت الحملة كثيراً بفضل أسعار النفط العالية التي جعلت المالية العامة للعراق في وضع مريح، لا سيما في الأعوام الخمسة الماضية، غير أن تهاوي أسعار النفط بأكثر من 60% من قيمته في أقل من سبعة أشهر، وما أدى إليه من مأزق مالي قلّصت الحكومة بسببه معدلات
الإنفاق العام، دفع المعنيّين للبحث في ثروات ومقدرات العراق عن بدائل للنفط.
وتعاني الصناعة العراقية من انهيار كبير منذ العام 2003، عندما توقفت أكثر من 80% من المصانع عن العمل، لأسباب منها تردي الأوضاع الأمنية وقلة المواد الخام وهجرة أصحاب رؤوس الأموال والانقطاع المستمر للتيار الكهربائي، ما أدى إلى توقف نحو أكثر من 40 ألف مشروع صناعي في عموم العراق على مدار الأعوام الاثني عشر الماضية، وفق تقديرات رسمية.
وانعكس توقف المصانع العراقية عن العمل بشكل سلبي على المجتمع، حيث ازدادت نسبة البطالة بشكل كبير، والتي تتجاوز 23% حالياً، نزولاً من 35% في عام 2004، أي بعد عام على الغزو الأميركي للبلاد.
ومع تهاوي أسعار النفط وزيادة البطالة تحرك عراقيون لمطالبة الحكومة بالتحرك، حيث شددت النائبة في البرلمان العراقي عن التحالف الوطني، حمدية الحسيني، في تصريح لـ "العربي الجديد" على ضرورة النهوض بالواقع الصناعي العراقي.
ودعت الحسيني رئيس الوزراء حيدر العبادي، إلى رفع شعار (صُنع في العراق).
وقالت الحسيني: "أدعو الحكومة العراقية إلى إعادة تأهيل أهم المصانع المتوقفة عن العمل، وأبرزها مصانع البطانيات والخيم والملابس العسكرية والزيوت، والتي تعتبر مصدر دخل لآلاف العمال المشمولين بموضوع التمويل الذاتي ممن مضى على توقف رواتبهم أكثر من أربعة أشهر".
ودعت الحسيني إلى ضرورة إصدار قرار يمنع استيراد سلع لها مثيل في الصناعات العراقية، موضحةً أنَّه على الأجهزة المعنية إصدار تعليمات بمنع الشراء من القطاع الخاص، إلا في حالة اعتذار القطاع العام عن التجهيز بالمنتجات المطلوبة.
وتعتبر الصناعات العراقية المتوقفة، مورداً لا يستهان به يمكن أن يرفد الموازنة العراقية المتلكئة، عبر الكثير من المنتجات الصناعية التي كانت لها سمعة جيدة، كالصناعات النسيجية وصناعة الإطارات والصناعات الكهربائية وغيرها.
ونظم العشرات من عمال الشركات الصناعية وقفات احتجاجية للمطالبة برواتبهم المتوقفة منذ أشهر، حيث يعتبر القطاع الصناعي مصدر رزق لآلاف العراقيين.
ويرى مختصون أن رفع التعريفة الجمركية، من شأنه حماية المنتجات الوطنية، فيما يرى
آخرون أنَّ الصناعات الوطنية لا زالت فتية وغير قادرة على تغطية احتياجات السوق.
وقال الخبير بالتنمية الصناعية، المهندس مضر عبد الواحد الأعظمي، إنَّ الصناعة الوطنية موردٌ مهمٌّ لرفد ميزانية الدولة ويمكن تنميتها بتأهيل المصانع المتوقفة، ورفع التعريفة الجمركية للمنتجات التي تماثلها منتجات محلية، والتوجه نحو الصناعات البسيطة والمتوسطة حالياً للإسراع بالإنتاج وتشغيل العاطلين عن العمل.
وأشار الأعظمي، في مقابلة هاتفية مع "العربي الجديد" إلى أنَّ الحظر الاقتصادي على العراق في تسعينيات القرن الماضي أسفر عن إغلاق أكثر من 17 ألف ورشة صناعية بينها 1500 منشأة عملاقة حتى عام 2000.
وبلغت نسبة توقف الصناعة عام 2003 أكثر من 80%، في المقابل سجلت الأسواق المحلية تدفقاً هائلاً للسلع الواردة من خارج البلد بفارق سعر كبير وميزات تنافس السوق المحلية، الأمر الذي زاد من تهميش الصناعة المحلية في العراق.
وتشير إحصائيات رسمية، إلى أنَّ 13 ألف مشروع صناعي في طور التأسيس لم يكتمل حتى اليوم لأسباب مختلفة، أبرزها تردي الأوضاع الأمنية.
ولخّص الخبير الاستراتيجي مهيمن الراوي، أهم أسباب تراجع الصناعة الوطنية، في انتشار المعامل بشكل غير نظامي وعدم وجود إحصائيات دقيقة للمصانع والورش، وظهور مشاكل قبلية حول الأراضي المخصصة للصناعيين، وعدم الاهتمام بالصناعات الصغيرة، وإهمال دور المنظمات المهنية وتزايد المصانع غير المرخصة ومنافسة المنتجات الأجنبية، وصعوبة تسويق المحلية وغياب التدريب المهني وضعف السيولة النقدية للصناعيين.
وأضاف لـ "العربي الجديد": أنه بات من الضروري التفكير بمورد آخر غير النفط والعودة إلى الصناعة العراقية التي كانت تغطي نحو 50% من إيرادات العراق قبل الاحتلال.
وكشفت تقارير حكومية مسربة، عن اغتيال أكثر من 500 عالم وخبير عراقي منذ عام 2003 على يد مافيات دولية مرتبطة بدول إقليمية، فضلاً عن هجرة نحو 18000 ألف عالم وأستاذ جامعي، أُجبروا على مغادرة البلد قبيل احتلاله، ما أربك الوضع الاقتصادي والصناعي بشكل كبير في العراق، وأسفر عن اختلال عملية النمو الصناعي والإنتاج المحلي
وتعطل الكثير من القطاعات الصناعية المهمة.
وقال عضو اتحاد الصناعات العراقية، المهندس يحيى الزبيدي، إنَّ "هجرة العلماء والفساد المستشري في دوائر الدولة هو السبب الرئيسي في تلكؤ وتعطل المشاريع الصناعية في العراق"، مبيناً أنَّ كثيراً من مسؤولي الدولة لا يوقعون على أي مشروع إلّا بعد ضمان حصتهم من العمولة والتي تصل إلى ملايين الدولارات، وهي عمولة غير قانونية، ما يرفع من كلفة إنجاز المشروع إلى أضعاف مضاعفة، وبالتالي فإنَّ المشروع الذي يكلف الدولة 15 مليون دولار مثلاً سيتطلب إنجازه أكثر من 40 مليون دولار؛ بسبب عمولات المسؤولين، وبهذا يكون على الدولة بدلاً من إنجاز ثلاثة مشاريع بهذا المبلغ، سيكون عليها إنجاز مشروع واحد فقط".
ويعتمد العراق على النفط في توفير أكثر من 95% من المصروفات.