أزمة المنظومة الحاكمة في العراق

18 اغسطس 2014
+ الخط -

مع استبدال رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي، بمرشح آخر من التحالف الشيعي، يحظى بمقبولية داخلية وخارجية، يكون العراق قد دخل منعرجاً جديداً في أزمته المستمرة، والتي تفاقمت، مطلع الصيف الحالي، مع تساقط المدينة تلو الأخرى في يد جهاديي "داعش".

وإن كان مستبعداً توقع حصول تغيير جذري وجاد، يشمل كل مناحي الوضع السياسي في العراق، فهناك اختلاف في الآراء بشأن جدوى التغييرات في الطاقم الحاكم، ومدى تأثيرها على الصورة العامة للمشهد. هناك من يرى أن تنحي المالكي، وتعثر مساعيه لتحقيق ولاية ثالثة هو انحسار لمشروع ديكتاتوري أحادي صاعد في العراق، يحاكي أساليب تقليدية لكل حكم مر على العراق، بإنشاء شبكة تسلطية من المصالح والعلاقات، تبدأ وتنتهي عند مكتب "الزعيم".

والمالكي أنشأ مكتب القائد العام للقوات المسلحة، خارج الأطر الدستورية لهذا الغرض. فمهما كان شكل اللحظة الجيوسياسية، والتأثير الإقليمي، فرحيل المالكي ينظر إليه، من هذه الزاوية، على أنه مكسب لفكرة تداول السلطة، وإنهاء تجربة الاحتكار والتفرد التي أنتجت الفشل على الأصعدة الأمنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية كافة.

لكن، هناك من يعتقد أن مشكلة العراق أعمق بكثير، ولا تتعلق بشخص المالكي، استمر في السلطة، أو تم استبداله، بقدر ما تتعلق بأزمة المنظومة الحاكمة، والأسس التي بنيت عليها العملية السياسية القائمة، صاحبة الفضل الأول في إنتاج كل الشخصيات التي تمارس السياسة في العراق اليوم، ومنها المالكي. وأولوية الحل، من وجهة النظر هذه، ترتبط بأصل الداء، وليس بتفاعلاته الحديثة، حيث تدور الحلقة باستمرار منذ غزو العراق قبل عقد. استبدل الجعفري قبل ثماني سنوات، وجاء المالكي بآمال للتغيير، فجاء حكمه الأسوأ في تاريخ العراق، وترك المشكلات الحقيقية من دون حل.

وبين الرأيين؛ علمتنا تجربة العهدة الرابعة في الجزائر، أن تغيير الأشخاص، أو بقاءهم، قد لا يقل أهمية عن شأن تغيير المنظومات، أو تماسكها. فصحيح أنه من عادة الأنظمة الاستبدادية، في الدول الفاشلة، أن تضحي بالشكل الخارجي، لتبقي على الجسد حياً، بيد أنه في المفاهيم الجيوسياسية، يجب أن تنسب الأحداث إلى سياقاتها الواقعية.

ساعة المالكي حانت، لأن حجم الفشل والإخفاقات، ونوعية التطورات في الوضع العراقي، قلصت هامش المناورة لدى الطرف المراهن على صناعة ديكتاتورية تسلطية موالية، يدين لها الجميع، والمقصود إيران. حيث أشعل تهديد نفوذها في العراق جدلاً انخرط بحيوية ضمن الصراع العام القائم بين أركان النظام الإيراني بشأن الخيارات الاعتدالية أو المتطرفة.

وكان إبقاء المالكي لولاية جديدة جزءاً من مصلحة محافظي النظام في إيران، ليحافظوا على إيقاع المعركة الضارية في سورية، والتي تهدد بقاء حليفهم الاستراتيجي بشار الأسد، لأن استبداله يعني أن المنظومة جنحت إلى التسوية مع أطراف أخرى، تشاركها النفوذ في العراق.

ومن الواضح أن رئيس الوزراء الجديد سيكون أمام تحدي اختيار السمة التي سيعتمدها في حكمه، خصوصاً، ما بعد التوصل إلى حل للأزمة الراهنة، وهو يحتاج إعادة الثقة بين المكونات المختلفة.

وعلى هذا الأساس، لا يمكن الحكم على نوعية التغيير الذي سيحصل في العراق، إلا في ظروف هادئة نسبياً، فقد يشكل بديل المالكي صورة أخرى للنفوذ الإيراني، فيعيد إنتاج الممارسات والأهداف نفسها في المدى المتوسط، وقد يكون مدخلاً لتطبيق النموذج اللبناني في العراق، بوضع ضعيف للحكم المركزي، مقارنة بالأقاليم، وبطيف واسع من التدخلات الأجنبية، تنهي الاحتكار الإيراني، أو أن تحد منه.

ومن المستبعد، في المدى المنظور على الأقل، أن يتمكن حيدر العبادي من ترسيخ الحكم الديمقراطي المنشود، الخالي من الطائفية والولاء لقوى أخرى، فذلك يتطلب حلقة متواصلة من التغييرات الجذرية، عبر الانتقاء السياسي الذي يساهم فيه المجتمع المدني والجماهير، من كل الطوائف، وبقائمة مطالب موحدة من الشمال إلى الجنوب لاستبدال النظام ككل.

المثنّى - القسم الثقافي
المثنّى - القسم الثقافي
سرحان أبو وائل
مدون مغربي.
سرحان أبو وائل