أزمة احتفال الفرنسيين بالميلاد تتزايد مع دخول إضراب قطاع النقل يومه الـ16

20 ديسمبر 2019
المحطات الفارغة من القطارات تعجّ بالمسافرين (فرانس برس)
+ الخط -

بينما يوجد الرئيس إيمانويل ماكرون في دولة كوت ديفوار للاحتفال مع جنوده، بعيد الميلاد (الكريسماس)، يَضيع كثير من مواطنيه في ممرات ودهاليز محطات القطار، بحثاً عن قطار لا يصل وعن تذكرة تم إلغاؤها.

لا حديث اليوم، في فرنسا، سوى عن الأعياد وكيفية الوصول إلى الأهل، بسبب الإضراب المتواصل في قطاع النقل، خاصة وأن العطلة، في عيد الميلاد المجيد، تبدأ من مساء اليوم، الجمعة، ولهذا فالمحطات تبدو فارغة من القطارات، ولو أنها تعجّ بالمسافرين.

وعلى الرغم من وجود بعض المسافرين في طوابير لشراء تذاكر السفر، وهو وجُودٌ لا تحبذه الشركة الوطنية لسكك الحديد، التي تنصح هؤلاء المسافرين بعدم القدوم إلى المحطات، وباستخدام وسائل نقل أخرى، ومن بينها تشارُك المسافرين في سيارة واحدة، إلا أن المحظوظين هم فقط الذين تلقوا تأكيدا للسفر من طرف المكتب الوطني لسكك الحديد، عن طريق الإيميل أو رسائل هاتفية قصيرة.

ويعبر الكثيرون، خاصة ممن كانوا ينوون قضاء الأعياد في دول مجاورة، عن امتعاضهم لأن إلغاء حجزهم لم يأت إلا في وقت متأخر، قبل يوم من السفر، وهو ما لا يدَع أمامهم وقتا كافيا لإلغاء حجز الإقامة في البلد الذي كانوا ينوون زيارته. وهو أيضا ما يكلفهم خسارات كبيرة، وصلت إلى ألف يورو.

تجدر الإشارة إلى أن نصف القطارات السريعة "تي جي في"، فقط في الخدمة، وكذلك 40 في المائة، فقط، من "النقل الإقليمي السريع"، الذي يتم تأمين نسبة فيه بواسطة الحافلات، وهذا راجع إلى ارتفاع نسبة المُضربين من بين السائقين.

كما أن الإضراب أثَّر على النقل خارج الحدود الفرنسية، فقطارات "يوروستار" (بين فرنسا والمملكة المتحدة) تؤمّن 4 قطارات من خمسة، وقطارات "تاليس" (بين فرنسا وبلجيكا وهولندا)، تؤمن 2 من ثلاثة قطارات، وقطارات "ليريا" (بين فرنسا وسويسرا)، تؤمن قطارين من بين 5 قطارات.

وعلى الرغم من دعوة الحكومة المضربين إلى "هدنة"، يوقفون فيها إضرابهم لإتاحة الفرصة للفرنسيين للسفر للاحتفال بالأعياد مع ذويهم، وهو ما وافقت عليه نقابة "سي إف دي تي" الإصلاحية، إضافة إلى نقابة "الاتحاد الوطني للنقابات المستقلة"، وهي ثاني أهمّ نقابة في السكك الحديدية، وهو ما يمكن أن يحسن الأمور، بشكل كبير، على الرغم من أن باقي النقابات، وعلى رأسها، "سي جي تي" و"سود" و"قوة عمالية"، ترفض هذه الهدنة، وتعتَبر الحكومةَ مسؤولةً عن هذه الوضعية، ليس فقط بسبب هذا الإصلاح، الذي ترفضه النقابات، وإنما أيضاً لأنها، أي الحكومة، هي من اختار هذا التوقيت.

وبما أنه "رُبّ ضارة نافعة"، فقد تدفَّق المسافرون، الذين فقدوا الأمل في ركوب القطار، على الحافلات، التي ضاعفت من طاقتها، والتي أعفت الحكومة، وبصفة استثنائية، سائقيها، من كثير من الإكراهات، خاصة المتعلقة بالفترة الزمنية القانونية التي لا يجب على السائق تجاوزها، أثناء السياقة.

والطريف أن انتعاش السفر عبر الحافلات كان بوحي من إيمانويل ماكرون حين كان وزيرا للاقتصاد، فقد كان وراء "لبرلة" سوق الباصات (قانون بتاريخ آب/أغسطس 2015)، وهو ما سمح لشركات أوروبية دخول عالَم المنافسة (فيما يخص المسافات التي تتجاوز مائة كيلومتر)، مما أثار ابتهاج المسافرين، بسبب انخفاض أسعار التذاكر.

وتشير لغة الأرقام إلى هذا النجاح، حيث وصل عدد مستخدمي "باصات ماكرون"، سنة 2018، إلى 9 ملايين راكب، ويتوقع أن يصل الرقم إلى 20 مليون راكب سنة 2020، ويبدو أن هذه الأزمة ستضاعف من إقبال المسافرين على هذه الوسيلة، على الرغم من أنها تأتي في مرتبة متأخرة من حيث الأمان، بعد الطائرة ثم القطار.

ومن جهة أخرى، يضطر كثير من الفرنسيين إلى استخدام سياراتهم، وهو ما أدى إلى تكدّس في حركة السير في الطرق السيارة، من باريس وإليها.

ولأنه في كل احتجاج اجتماعي لقطاته المأساوية، يدور الجدل، منذ يومين وأكثر، عن مصير 6 آلاف طفل، غير مرافقين من عائلاتهم، وجدوا أنفسهم من دون تذاكر، وهنا تتقاذَف الحكومة، عبر الشركة الوطنية لسكك الحديد، والنقابات المُضربة، وعلى رأسها "سي جي تي"، المسؤولية.

وأما حركة النقل، داخل العاصمة ومع ضواحيها، فلا تزال مضطربة، بشكل كبير، فلا تزال ستة خطوط مترو مغلقة، بشكل كامل، فيما تعرف الخطوط الأخرى حركة سير مضطربة، بعضها يشتغل بنسبة الثلث، فيما تشتغل أخرى فقط في ساعات الذروة (الذهاب والعودة من العمل)، ما عدا خطي 1 و14، اللذين يشتغلان، بصفة آلية، فالسير فيهما عاديّ جدا.

ويبدو، أخيراً، أن المسافرين، عموما، مُوزَّعون بين من يتعايش مع الوضع الحالي، فقد كانوا على علم بما سيحدث، ولا تتوقف الشركة الوطنية لسكك الحديد عن إخبارهم بالمستجدات، وبين تأييد نسبة كبيرة منهم للمُضربين، المُعارِضين لإصلاح نظام التقاعد، الذي يستوجب، من جميع الفرنسيين، تضحياتٍ إضافية وتكون نتائجه، بالنسبة للكثير، معاشاتٍ أقلّ.

المساهمون