وجددت الخارجية الكويتية، في بيان رسمي، رفضها واستنكارها ما أقدمت عليه سفارة الفيليبين لديها من "انتهاك صارخ ومخالفة جسيمة لضوابط وقواعد العمل الدبلوماسي، إذ قام أعضاء من السفارة، وآخرون، بتهريب عاملات منزليات من الجنسية الفيليبينية. في تحد سافر لقوانين الكويت، وللأعراف والمواثيق الدولية، إضافة إلى ما شكله ذلك من تدخل في الشؤون الداخلية، وممارسة أعمال هي من صميم عمل الأجهزة الأمنية في البلاد".
ونقلت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية "كونا"، عن مساعد وزير الخارجية الكويتي، ضاري العجران، الأربعاء، أن "تصرفات السفارة الفيليبينية في البلاد تعد اختراقا وتجاوزا للخطوط الحمراء لسيادة دولة الكويت، وهذا الأمر لن نسمح به. الخارجية استدعت سفير الفيليبين أربع مرات خلال هذا الأسبوع على خلفية التصريحات الفيليبينية، وسلمته مذكرتي احتجاج، وطلبت منه مغادرة الكويت".
وكشف أن سفير الكويت في مانيلا، مساعد الذويخ، سيصل إلى البلاد الخميس، للتشاور معه بعد أن قامت الخارجية بإخطار السفير الفيليبيني بأنه شخص غير مرغوب به في البلاد. وحول تسليم المتهمين في تهريب عاملات المنازل، أكد العجران، أن "الكويت طلبت مسبقا تسليم المطلوبين من السفارة الفيليبينية، إلا أنه حتى الآن لم يتم تسليمهم".
وقال إن الكويت "ستواصل ملاحقة من قاموا بالمشاركة في ما يسمى بعمليات إنقاذ عمالتهم، وإن الإجراءات التي تتخذ بشأن الدبلوماسيين تختلف عن الأشخاص العاديين. أي شخص متورط في التجاوزات التي حدثت مؤخرا من بعض أعضاء السفارة سنتخذ بحقه الإجراءات القانونية المناسبة".
وفي سياق متصل، جدد السفير الفيليبيني في الكويت، ريناتو بيدرو أوفيلا، اعتذاره للكويت عن قيام فرق أمنية خاصة بتهريب عدد من العاملات المنزليات من مقار عملهن داخل بيوت مواطنين كويتيين، وقال في مؤتمر صحافي عُقد في السفارة: "أقدم اعتذاري إلى نظيري الكويتي، وإلى الحكومة الكويتية، والشعب الكويتي على أي إساءة بسبب بعض التصرفات التي قامت بها السفارة الفيليبينية في الكويت".
وتفجرت الأزمة الدبلوماسية بين الحكومتين الكويتية والفيليبينية على خلفية تصريحات للرئيس الفيليبيني، رودريغو دوتيرتي، في يناير/كانون الثاني الماضي، أعلن فيها وقف إرسال العمالة من بلاده إلى الكويت، بسبب ما اعتبره "تعرضهم للتحرش وسوء المعاملة"، كما طالب المقيمين الفيليبينيين في الكويت، وعددهم نحو 250 ألفا، بالعودة إلى بلادهم. لتزيد حدة الأزمة في الأسبوع الثاني من فبراير/شباط، بعد اكتشاف جثة عاملة منزلية فيليبينية قتلت على يد كفيلها اللبناني، والذي خبأها في ثلاجة داخل شقته، وفر إلى بلده.
ولاحقا، وقعت الكويت، نهاية فبراير/شباط، اتفاقية جديدة مع الحكومة الفيليبينية نصت على منح العمالة بعض المميزات، وإشراف السفارة الفيليبينية على استلام العمال رواتبهم واحتفاظهم بجوازات سفرهم.
ورغم الهدوء النسبي الذي شاب العلاقات بين البلدين بعد توقيع الاتفاقية، لم ترفع الحكومة الفيليبينية الحظر المفروض على إرسال العمالة، وقالت إنها بحاجة إلى مزيد من الدراسة قبل رفع الحظر، حتى فوجئت الحكومة الكويتية بتسرب مقاطع فيديو لفرق أمنية فيليبينية تابعة للسفارة تقوم بتهريب العاملات الفيليبينيات وإيداعهن في مبان آمنة تابعة للسفارة قبل إعادتهن إلى الفيليبين، مستغلين المهلة الحكومية لمخالفي الإقامة التي مددت حتى 22 أبريل.
وشوهد أفراد يعتقد أنهم من القوات الخاصة، جلبتهم السفارة الفيليبينية خصيصاً لتهريب العاملات، وهم يتجولون في شوارع الكويت، ويقومون بمساعدة العاملات المنزليات على الهروب نحو السفارة في سيارات دبلوماسية، وهو ما يعد خرقاً للأعراف الدبلوماسية، قبل أن يعكف خبراء قانونيون فيليبينيون على إصدار وثائق سفر مؤقتة للعاملات وإخراجهن عبر مطار الكويت الدولي، أو إجبار الكفيل على التنازل عن العاملة الهاربة.
وطالبت الحكومة الكويتية السفارة الفيليبينية بتسليم الأشخاص الذين قاموا بتهريب العاملات، لكن السفارة قالت إنهم غادروا البلاد، فيما تمكنت السلطات بحسب بيان وزارة الداخلية، من اعتقال سائقين فيليبينيين تعاونا في تهريب العاملات، وتقديمهما للمحاكمة بتهمة التحريض والتخريب.
وهدد نواب البرلمان الكويتي باستجواب وزير الخارجية الشيخ صباح الخالد الصباح، إذا لم يقم بطرد السفير الفيليبيني من البلاد. وقال نائب رئيس مجلس الأمة، عيسى الكندري، إن "قرار طرد السفير كان خطوة في الاتجاه الصحيح تجاه الحكومة الفيليبينية التي مارست أعمال التصعيد ضد الكويت بدون سبب مبرر".
ويقول متعب الشلاحي، الذي يدير إحدى وكالات جلب العمالة المنزلية في الكويت، لـ"العربي الجديد"، إن "تصرفات السفارة الفيليبينية مؤسفة. اتصلت بي السفارة قبل أسبوعين، وطالبتني بالتوسط لإقناع الكفلاء بالتنازل عن قضايا التهرب ضد العاملات ليتمكنّ من العودة إلى بلدهن، لكنني فوجئت بوجود أفراد من خلفيات عسكرية داخل السفارة يهددونني في محاولة لإجباري على التنازل رغم أني وسيط، حتى أني تعرضت للضرب".
ويضيف الشلاحي: "أتفهم مخاوف السفارة ورغبتها في الحفاظ على سلامة رعاياها، لكن علينا أن نعرف أن الفيليبينيين يتلقون معاملة حسنة، باعتراف السفير نفسه، وما حدث هو مجرد تصعيد من قبل الرئيس الذي يسعى لكسب شعبية أكبر في بلده عبر بطولات وهمية".
وتبلغ تكلفة جلب العاملة المنزلية الفيليبينية إلى الكويت 1200 دينار (4000 دولار أميركي) يتحملها الكفيل الكويتي، ويبلغ الحد الأدنى للراتب 120 دينار (400 دولار)، لكن الكفيل معرض لفقدان أمواله حال هروب العاملة.