أزمة الصحافة الورقية... تراجع حادّ للإعلانات في تونس

19 فبراير 2020
مطالبات للحكومات بالتدخل (شاذلي بن ابراهيم/NurPhoto)
+ الخط -
تعيش الصحافة الورقية التونسية أزمة مالية خانقة دفعت الكثير من الصحف إلى غلق أبوابها مثل الصحف اليومية "التونسية" و"الصريح" والأسبوعية "أخبار الجمهورية" و"الضمير" و"الأولى التونسية"، وتجابه بقية الصحف الورقية شبح الإقفال في كل لحظة، خاصة أمام الصعوبات المالية التي تجدها هذه الصحف التي تراجع عددها من 255 سنة 2010 إلى 50 منشورا سنة 2020.

يرجع مدير عام "سيغما كونساي" المكتب المختص في الدراسات وسبر الآراء وقياس نسب الاستماع والمشاهدة، حسن الزرقوني، سبب الأزمة المالية الخانقة التي تعيشها الصحافة الورقية في تونس إلى التراجع الحاد الذي عرفته الإعلانات التجارية في الصحف؛ إذ كان يبلغ حجم إجمالي الأموال التي تدرها الإعلانات التجارية على الصحف الورقية سنة 2010 ما يناهز 41 مليون دينار تونسي (19 مليون دولار أميركي بأسعار العملة سنة 2010) ليتراجع سنة 2011 إلى 34.2 مليون دينار تونسي أي بانخفاض يزيد عن الستة ملايين دينار تونسي، وهو رقم كبير. سلسلة التراجعات التي عرفتها الإعلانات التجارية تواصلت سنة 2012 لتصل إلى 32.7 مليون دينار تونسي، ليصبح عام 2013 كارثياً على الصحافة الورقية حين تراجع حجم الإعلانات بما يناهز عشرة ملايين دينار، ليصل الحجم الإجمالي للإعلانات التجارية في الصحافة الورقية في تونس سنة 2013 إلى ما يناهز 22.4 مليون دينار تونسي.



عرف هذا التراجع نسقاً تصاعدياً لتصل نسبة التراجع بين عامي 2010 و2015 إلى 73 في المائة، وهو رقم مفزع أيضاً. لتكون هذه الأعوام الخمسة أكثر سنوات عرفت فيها الصحافة الورقية أزمة خانقة أدت إلى غلق عديد الصحف وإحالة العاملين فيها إلى البطالة، ومنهم العاملون في صحيفة "التونسية" اليومية الذين قاموا باعتصام في مقر الصحيفة سنة 2015 تواصل إلى أكثر من شهر ونصف دون الوصول إلى حلول للصحيفة التي أغلقت أبوابها منذ ذلك التاريخ نهائياً.

عام 2019 الماضي، قدرت "سيغما كونساي" حجم الإعلانات التجارية في الصحف الورقية التونسية بـ11.1 مليون دينار وهو رقم ضعيف إذا قارناه بسنة 2010، ويزداد ضعفاً، إذ إنّ الدينار التونسي فقد من قيمته أمام الدولار الأميركي بنسبة تعادل تقريباً 80 في المائة في الفترة المتراوحة بين عامي 2010 و2019.

لا يعتبر التراجع الحاد في الإعلانات السبب الوحيد في أزمة الصحافة الورقية التونسية، إذ يضيف له رئيس جمعية مديري الصحف التونسية، الطيب الزهار، تراجع عدد النسخ المقتناة من الصحف الورقية. ولا يتجاوز عدد النسخ التي يتم بيعها يومياً في السوق التونسية 100 ألف نسخة، تضاف إلى كل ذلك المنافسة التي تعرفها الصحافة الورقية من قبل المواقع الإلكترونية التي ارتفع عددها بعد الثورة التونسية وارتفعت عائداتها من الإعلانات التجارية من 4 ملايين دينار تونسي سنة 2011 لتصل إلى أكثر من 15 مليون دينار تونسي سنة 2019.

بعيدًا عن الأرقام، يرى بعض المتابعين للشأن الإعلامي في تونس أن الصحافة الورقية ولضمان أكبر حظوظ للنجاح والاستمرارية، عليها تغيير خططها التحريرية وعدم الاكتفاء بنشر الأخبار التي تسبقها فيها المواقع الإلكترونية والقنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية التي تتميز بالآنية في المتابعة الإخبارية، بل التوجه نحو صحافة التحليل والاستقصاء حتى تكون قادرة على جلب القراء إليها والحفاظ على ديمومتها وتلافي الانهيار التام لها.

يطالب مالكو الصحافة الورقية وصحافيوها وموظفوها، الحكومة التونسية، بالتدخل لإنقاذهم من الانهيار والاندثار، وهو ما وعدت به الحكومات المتعاقبة بعد الثورة، لكن حتى الآن، لم يتم الشروع عملياً في توفير ضمانات فعلية لاستمرارية قطاع الصحافة الورقية.
المساهمون