زادت أزمة السيولة التي يشهدها السودان منذ فبراير/شباط الماضي من ركود الأسواق، التي تعاني بالأساس من ارتفاع الأسعار وتراجع القدرات الشرائية للكثير من المواطنين.
وانعكست بعض الإجراءات الحكومية للتحكم في سوق الصرف وكبح انفلات سعر صرف الدولار، سلباً على تداول الأموال، إذ دفعت بعضهم إلى النأي بأموالهم بعيداً عن الجهاز المصرفي، خوفاً من عدم القدرة على سحبها وفق احتياجاتهم.
وقفز سعر صرف الدولار الأميركي في السوق الموازية إلى نحو 41 جنيهاً، بينما يحدده البنك المركزي بنحو 18 جنيهاً، فيما لم تنجح الإجراءات الأمنية والنقدية في ضبط سوق الصرف في ظل ما يرجعه محللون إلى محدودية موارد النقد الأجنبي للدولة.
وتداولت وسائل إعلام محلية أنباء عن تحديد البنك المركزي سقفاً للسحب النقدي من البنوك بقيمة تراوح بين 10 و20 ألف جنيه، وألفي جنيه من الصرافات الآلية في اليوم، مما جعل أغلب عملاء المصارف يشكون من عدم القدرة على صرف مبالغ مالية كبيرة من أموالهم المودعة بالمصارف، لكن المركزي عاد لينفي صدور تعليمات بهذا الشأن.
ورصدت جولة لـ"العربي الجديد" في أسواق العاصمة الخرطوم، ركود المعاملات التجارية، الأمر الذي أرجعه تجار إلى انعدام السيولة، التي قالوا إنها تسببت في شل الحركة التجارية والاستيراد بشكل كامل وتراجع حركتي البيع والشراء لأدنى مستوياتها.
وفي منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي كان متوقعاً أن ينتعش الاقتصاد عقب رفع الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية ظلت تفرضها على الخرطوم لعقود. لكن مسؤولين سودانيين يؤكدون أن الأوضاع لم تتغير كون المصارف الدولية لم تعاود إجراء التحويلات مع نظيراتها السودانية.
ويعاني السودان أيضا صعوبات اقتصادية منذ انفصال جنوب السودان عنه عام 2011 آخذا معه 75% من إنتاج النفط والذي كان يناهز 470 ألف برميل يوميا، وأدى ذلك لارتفاع معدلات التضخم لمستويات كبيرة وصلت إلى نحو 55.5% في إبريل/نيسان الماضي، وفق بيانات رسمية.
وقال هيثم فتحي، المحلل الاقتصادي في حديث لـ"العربي الجديد"، إن أزمة السيولة لا تزال مستمرة، داعيا البنك المركزي إلى توفيرالسيولة في المصارف والأسواق، لما أحدثته ندرتها من تجميد وركود بسبب الانكماش الذي تبناه بنك السودان لتحقيق التوازن المالي والنقدي وتخفيض معدلات التضخم وعجز الموازنة.
وأشار فتحي إلى ضرورة تنشيط الدورة الاقتصادية في البلاد من خلال زيادة الإنتاج لتعظيم عائدات التصدير مع فتح أسواق جديدة باتباع سياسات توسعية مثل تشجيع التمويل والإنفاق الاستهلاكي ووضع سياسات لتحقيق مزيد من العدالة في توزيع الدخول وتنشيط الطلب الفعال وخلق فرص عمل للقضاء على ظاهرة البطالة والفقر وضبط حركة رؤوس الأموال.
ومن جانبه، قال وليد أبوشامة مدير إدارة دعم العملاء في شركة السودان للخدمات المصرفية الإلكترونية، إن تغذية الصرافات الآلية تراجعت إلى الثلث تقريبا بسبب مشكلة السيولة، مشيرا إلى أن الأزمة لن تطاول فقط كميات النقود التي يتم ضخها وإنما أعداد ماكينات الصرف الآلي أيضا.
وأوضح أن أعداد الصرافات التي تمت تغذيتها يوم الأربعاء الماضي بلغت 458 ماكينة من جملة 1378 صرافا على مستوى السودان بنسبة 34%، منها 275 صرافا في ولاية الخرطوم ، مشيرا إلى أنه رغم هذا التراجع فإن هناك انفراجة ولو جزئية في السيولة.
وكان البنك المركزي قد أشار في بيان له مؤخرا إلى التزامه والمصارف التجارية بتمكين المواطنين من الاستفادة من أموالهم وودائعهم بالمصارف التجارية بكافة وسائل الدفع المتاحة كاستخدام الشيكات بأنواعها والتحويل بين الحسابات وكل وسائل الدفع الإلكتروني، واستخدام الدفع النقدي لجميع المعاملات التي لا يمكن فيها استخدام هذه الوسائل.