هدد "الحزب الاتحادي الديمقراطي" الحكومة البريطانية المحافظة، بسحب دعمه لها في البرلمان في حال استجابت للضغوط الأيرلندية حول التسوية الحدودية ما بعد "بريكست".
وقال النائب سامي ويلسون من نواب "الحزب الأيرلندي الشمالي" العشرة في ويستمنستر، إنه لن يقبل أن يرى أيرلندا الشمالية "تعامل بطريقة تختلف عن بقية المملكة المتحدة".
ويأتي هذا التصريح بعد أن خرجت تقارير إلى العلن تشير إلى استعداد لندن لمنح المزيد من السلطات لبلفاست، مما سيمنح أيرلندا الشمالية المزيد من الحرية في اتخاذ تشريعات في مجالات مثل الزراعة والطاقة، وتكون أقرب إلى التشريعات الأوروبية منها للبريطانية.
كما تأتي هذه الخطوة بعد مطالبة الحكومة الأيرلندية في دبلن، بضمانات أكيدة بعدم رفع الحدود الصلبة بين أيرلندا الشمالية والجمهورية الأيرلندية بعد "بريكست". إلا أن حكومة تيريزا ماي تحتاج إلى الموازنة بين مطالب "الحزب الاتحادي الديمقراطي" والجمهورية الأيرلندية.
فبعد الانتخابات الكارثية بداية الصيف الماضي وفقد "حزب المحافظين" للأغلبية البرلمانية، أبرمت ماي صفقة مع "الحزب الاتحادي" يدعم فيها الأخير مشاريع القوانين الرئيسية التي تتقدم بها الحكومة، ويساعدها في تحقيق "بريكست"، مقابل أن تستثمر الحكومة مليار جنيه في أيرلندا الشمالية خلال السنوات الخمس المقبلة.
وفي حال انسحب "الحزب الاتحادي الديمقراطي" من هذه الصفقة، فستفقد ماي أغلبيتها البرلمانية، ما قد يقود إلى انهيار الحكومة لعدم قدرتها على تمرير التشريعات الضرورية لعملها.
وفي الوقت ذاته، تحتاج الحكومة للتوصّل إلى تفاهم مع نظيرتها في دبلن على مستقبل الحدود بين أيرلندا الشمالية والجمهورية الأيرلندية، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قبل منتصف الشهر الحالي، كشرط لانتقال مباحثات "بريكست" إلى المرحلة الثانية والمتعلقة بالمفاوضات التجارية.
ويمكن لأيرلندا في حال عدم التوصل إلى اتفاق حتى إن كان مبدئياً، أن تنقض أي اتفاق حول "بريكست"، نظراً لآلية اتخاذ القرارات في الاتحاد الأوروبي بالإجماع، وبالتالي فإن اعتراض أية دولة سيعني عملياً استخدام الفيتو ضد ذلك القرار، مع العلم أن الاتحاد الأوروبي قد وضع ثقله وثقته في القرار الأيرلندي.
ويتلخّص الموقف الأيرلندي حالياً، بضرورة الحفاظ على وحدة التشريعات والمعايير في الجزيرة الأيرلندية، نظراً لحجم التجارة بين دبلن وبلفاست. وقد اقترحت الحكومة الأيرلندية بقاء أيرلندا الشمالية في السوق الأوروبية المشتركة والاتحاد الجمركي، لتجنب هذا الافتراق المفترض بين الطرفين بعد "بريكست"، وخصوصا أن خروج المملكة المتحدة كلياً من السوق المشتركة سيعني إعادة نصب الحدود البرية بين الطرفين، وبالتالي فصل أيرلندا الشمالية كلياً عن بقية الجزيرة.
ويرفض "الحزب الاتحادي الديمقراطي" الذي يدافع عن وحدة المملكة وبقاء أيرلندا الشمالية تحت حكم التاج البريطاني، أي إجراء يؤدي لمعاملة أيرلندا الشمالية بشكل مختلف عن المملكة المتحدة. ويرى مسؤولوه في عرض دبلن محاولة لفصل بلفاست عن بريطانيا.
ودفع رفض الحكومة البريطانية اقتراح دبلن بإبقاء أيرلندا الشمالية في السوق المشتركة، إلى طلب الاتحاد الأوروبي من بريطانيا التقدم باقتراح بديل، يضمن حماية مصالح الجمهورية الأيرلندية ويتجنب رفع الحدود المادية بين الطرفين.
وتتفق حكومة ماي مع الموقف الأوروبي القاضي برفض الحدود الصلبة في الجزيرة الأيرلندية، نظراً لما قد ينعكس على اتفاق الجمعة العظيمة، الذي وقعه طرفا الحرب الأهلية في أيرلندا الشمالية بين الموالين لكل من لندن ودبلن.
إلا أن ماي لم تتقدم حتى الآن بأي حل بديل، وقد علقت لجنة برلمانية في ويستمنستر في تقرير نُشر اليوم الجمعة: "لا نرى حالياً كيف سيكون من الممكن موافقة عدم وجود حدود برية مع سياسة الحكومة في الخروج من السوق المشتركة والاتحاد الجمركي، والتي ستجعل الحدود بين أيرلندا الشمالية والجمهورية الأيرلندية حدوداً جمركية بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة".
وكشف وزير الخارجية الأيرلندي، سيمون كوفيني، اليوم أن الحكومة البريطانية تقول بلحكومة الأيرلندية "ضعوا ثقتكم بنا، وسنجد حلاً لهذه القضايا من خلال اتفاقية تجارة شاملة وجريئة"، وتابع "هذا أمر قد لا يكون ممكناً".
وقال الوزير الأيرلندي في حديث إلى "بي بي سي": "لا يمكن أن يطلبوا منا القفز إلى المجهول من خلال البدء في المرحلة الثانية من المفاوضات على أمل الوصول إلى حل هذه القضايا"، مشدداً على ضرورة وجود ضمانات مكتوبة من الجانب البريطاني لإبقاء النظام القانوني في أيرلندا الشمالية بعد "بريكست" مماثلاً للاتحاد الأوروبي.
وتأمل الحكومة البريطانية بأن تقنع الدول الأوروبية بحصول التقدم المطلوب للانتقال إلى المرحلة التالية من المباحثات التي تشمل التجارة المستقبلية. وذلك بحاجة لتقدم كافٍ في القضايا الأساسية: حقوق المواطنين، وفاتورة الطلاق، والحدود الأيرلندية.
وتسعى بريطانيا والاتحاد الأوروبي للتوصل إلى اتفاق في عطلة نهاية هذا الأسبوع، قبل اللقاء المرتقب بين ماي ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر يوم الاثنين.