أزمة التلفزيون الرسمي التونسي: احتقان يعود للواجهة

09 فبراير 2018
أقيل مدير القناة الثانية الأربعاء (فابريس كوفريني/فرانس برس)
+ الخط -
تتسارع الأحداث داخل أروقة مبنى التلفزيون الرسمي في هضبة الهيلتون المُطلّة على وسط العاصمة التونسية. فبعد عدد من التحركات الاحتجاجية من قبل نقابة المخرجين وفرع نقابة الصحافيين التونسيين والنقابة العامة للإعلام الرافضة، لطريقة إدارة التلفزيون، تأتي حادثة عدم البث الفضائي لأداء النائب ياسين العياري للقسم في البرلمان لتزيد الوضع تعقيداً.

واعتبر عدد من الأحزاب المُشكّلة للكتلة الديمقراطية المعارضة التي ينتمي لها العياري أنّ عدم بثّ القسم، فيه تعمّد، والغاية منه إرضاء الحزب الحاكم "نداء تونس"، والذي يعارض انضمام العياري للبرلمان التونسي. وهو الأمر الذي كذّبه مدير القناة الثانية، عماد بربورة، والذي اعتبر ما حصل "مجرد اختيار كان الهدف منه احترام المشاهد وعدم قطع بث برنامج كان يبث حينها لأن انطلاق جلسة البرلمان لم يكن محددا زمنياً، لذلك تمّ اللجوء إلى بث جلسة البرلمان على الشبكة الأرضية إلى حين استكمال البرنامج الذي يبث فضائياً".

تبرير لم يقنع أي طرف ومنها الإدارة العامة للتلفزيون الرسمي التونسي، إذ سارع المدير العام للتلفزيون الرسمي التونسي، عبد المجيد المرايحي، صباح الأربعاء، وبعد الحادثة مباشرةً، إلى إقالة مدير القناة الثانية، عماد بربورة، وتحميله مسؤولية عدم البث الفضائي لأداء النائب ياسين العياري للقسم كعضو جديد في البرلمان التونسي.

وفسّر البعض هذه الخطوة الاستباقية من قبل الإدارة العامة للتلفزيون الرسمي برغبة الإدارة العامة التنصّل من المسؤولية، خصوصاً أنّ عبد المجيد المرايحي وجد عند تعيينه من طرف الحكومة التونسية جبهةً رافضةً له، باعتبار أنّه تمّ تعيينه من دون استشارة الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) مثلما ينصّ عليه المرسوم 115 المنظم للقطاع الإعلامي في تونس.


ولم تعفِ الخطوة، في نظر الكثيرين، المدير العام من المسؤولية القانونية والأخلاقية عمّا حصل. ففي خطوة تصعيدية، طالبت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، بشكل صريح، بإقالة المدير العام للتلفزيون الرسمي التونسي.

واعتبرت النقابة ما حصل يأتي "في سياق المحاولات المتكررة للتدخل في الإعلام العمومي (الرسمي) وتدجين مؤسسة التلفزة التونسية ووضع اليد عليها وضرب استقلاليتها عن كل تأثيرات سياسية، ومنها التدخل الحكومي في المضامين الإعلامية". وحمّلت المسؤولية للحكومة التونسية عبر "اعتمادها سياسة التعيينات المسقطة للمسؤول الأول عن التلفزيون الرسمي"، مطالبةً بإقالته وفتح باب الترشيحات لتولي هذه الخطة للكفاءات التونسية القادرة على إدارة هذه المؤسسة.

من ناحيتها، طالبت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) بإقالة المرايحي، إذ اعتبرت أنّ "حالة الفوضى والغموض التي تُحيط بآليات اتخاذ القرارات داخل المؤسسة مردها الفراغ الإداري والتأخر في استكمال مسار الإصلاح وتطوير المنظومة القانونية، بما يضمن استقلالية المرفق الإعلامي العمومي ويتلاءم ودوره في خدمة الصالح العام سعياً إلى القطع مع الممارسات الموروثة عن النظام السابق".

وحمّلت "الهايكا" أيضاً، الحكومة التونسيّة، المسؤوليّة عمّا آلت إليه الأوضاع في التلفزيون الرسمي، وهو ما بدا جلياً من خلال عدم البث الفضائي لأداء القسم للنائب الجديد بالبرلمان التونسي ياسين العياري، برأيها.

يُذكر أنّ النقابة والهايكا كانتا من الرافضين لتعيين عبد المجيد المرايحي كمدير عام للتلفزيون الرسمي التونسي، معتبرتين أنّ تعيينه تمّ خارج الأطر القانونية وبقرار مسقط من رئاسة الحكومة التونسية. لذلك كانت النقابة والهايكا من الرافضين التعامل مع المسؤول الأول عن أكبر وأقدم مؤسسة بصرية في تونس، وهو ما تسبب في تعطيل العمل داخل هذه المؤسسة التي تُوظّف ما يناهز 1200 فرد ما بين صحافي وتقني وموظف.

ويعرف التلفزيون الرسمي التونسي حالةً غير مسبوقة من الاحتقان، قد تؤدي إلى تراجعه في المشهد السمعي البصري التونسي إذا لم تتوصل الأطراف المتدخلة فيه إلى حلّ توافقي يرضي كل الأطراف. ويبدو أنّ التواصل لهذا الاتفاق غير صعب، خصوصاً في ظل الضغط الذي تمارسه النقابة والهايكا وقوى المجتمع المدني المساندة لهما، وهو ما قد يدفع الحكومة التونسية إلى الرضوخ.
دلالات