أزمة اقتصاد عابرة أم انهيار شامل وشيك؟

12 يناير 2016
الأسواق تنتظر الأسوأ (Getty)
+ الخط -

 

في شهر أغسطس/آب من عام 2008 ضربت أزمة مالية عنيفة الأسواق الأميركية، فانهارت بنوك كبرى، منها ليمان براذر، وأفلست مؤسسات مالية وشركات تأمين وتمويل عقاري عملاقة، وتم وضع المجموعتين العملاقتين في مجال التمويل والرهن العقاري فريدي ماك وفاني ماي تحت رقابة المؤسسات الرسمية بسبب تعثرهما المالي.

وانتقلت الأزمة المالية بعد ذلك إلى أوروبا، فقد ضربت أيضاً بنوكها وقطاعها المالي وشركاتها، وكبدت الاقتصاد الأوروبي تكاليف باهظة تقدر بنحو 60 مليار دولار تم ضخها في القطاع المصرفي وشرايين الاقتصاد للحيلولة دون انهياره.

 كما امتدت أزمة 2008 المالية للدول التي تربطها علاقة تجارية واقتصادية مع الولايات المتحدة، وبعدها حدث ما حدث للاقتصاد الأميركي من تراجع معدل النمو الاقتصادي وزيادة البطالة وتكبد المستثمرين الدوليين خسائر فادحة، إضافة إلى ضخ مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) 2.85 ترليون دولار (2850 مليار دولار) في صورة ثلاثة برامج تيسير وتوسع نقدي لتفادي حدوث مزيد من الانهيارات في القطاع المالي والمصرفي.

الآن يبدو أننا مقبلون أكثر من أي وقت مضى على أزمة قد تكون أشد وأعنف من أزمة عام 2008، أزمة لن تطاول القطاع المصرفي والمالي، كما جرى في أغسطس 2008، بل ستطاول الاقتصاد العالمي بالكامل، أزمة ستمتد لكل مقومات الإنتاج والاقتصاد الكلي مثل قطاعات الصادرات والواردات والصناعة والنقل والسياحة والخدمات والبورصات والاستثمارات وأسواق المال والمعادن والسلع الرئيسية.

ملامح الأزمة المتوقعة تسارعت في الأيام القليلة الماضية، فأسعار النفط تنهار بسرعة لم يتخيلها أحد حتى المتشائمون أنفسهم، بل وفقدت الأسعار 20% من قيمتها منذ بداية العام الحالي 2016، أي خلال أيام معدودة، كما فقدت 70% من قيمتها منذ منتصف عام 2014، ولامست الأسعار أمس حاجز الـ 30 دولاراً للبرميل، وهو ما دعا بعض الدول الأعضاء بمنظمة أوبك للدعوة لعقد اجتماع طارئ للمنظمة الدولية لبحث وقف تهاوي الأسعار.

وحسب توقعات مؤسسات دولية فإن سعر برميل النفط سيتراجع إلى 16 دولاراً وهو ما قد يؤدي إلى انهيار دول كبرى، إضافة لتعرض دول منتجة رئيسية للنفط لأزمات مالية واقتصادية حادة مثل روسيا والخليج والعراق وليبيا وفنزويلا والجزائر ونيجيريا وغيرها، خاصة إذا ما علمنا أن نحو 95% من إيرادات هذه الدول تأتي من النفط، ويكفي أن نقول إن دولة مثل العراق، إحدى الدول المنتجة للنفط في العالم، لن تكون قادرة على سداد رواتب موظفيها بدءاً من بداية شهر أبريل/نيسان القادم.

اقرأ أيضاً: مصرف بريطاني لعملائه: بيعوا كل شيء عدا السندات

والاقتصاد الأميركي، أكبر اقتصاد عالمي، لم يتعاف بعد من أزمة 2008، وهو ما يغذي الأزمة الاقتصادية الجديدة، وزيادة عائد الدولار ستخلق أزمة عنيفة لبعض الدول، خاصة تلك التي تشتري النفط بعملات أخرى غير العملة الأميركية، وهناك توقعات بهروب مليارات الدولارات من الأسواق الناشئة، ومنها الصين في حال زيادة أسعار الفائدة الأميركية.

والاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، مقبل على مرحلة أقرب إلى الانهيار، ويكفي أن نقول إن الصين خسرت 512 مليار دولار في العام الماضي 2015 من احتياطياتها من النقد الأجنبي بسبب سياسة الدفاع عن عملتها اليوان، وتهدئة مخاوف المستثمرين وامتصاص هزات الأسواق المالية وتلبية احتياجات الاستثمارات الهاربة.

ودفعت أزمة الصين مؤسسات مالية كبرى إلى التأكيد على أن الأسوأ قادم، وربما لم يأت بعد، وهو ما دعا مصرفا عالميا بحجم "رويال بنك أوف اسكوتلاند" البريطاني إلى نصح عملائه بالاستعداد لعام كارثي وأزمة عالمية، وتحذيرهم من أن أسواق الأسهم والبورصات قد تنخفض بنسبة 20% في العام الجاري 2016، بل ونصح عملاءه بالتخلص من كل شيء في حوزتهم ما عدا السندات ذات الجودة العالية، أي السندات الصادرة عن مجموعة الدول الثماني الصناعية الكبرى، أو عن بنوك عالمية ذات مراكز مالية قوية.

السؤال الآن: هل نحن أمام أزمة مالية مشابهة لأزمة عام 2008، أم أمام انهيار شامل للاقتصاد الدولي على غرار أزمة الكساد العالمي الكبير التي حدثت في عام 1929، وبالتالي ننتظر 60 إلى 70 عاماً من القلاقل المستمرة حتى نودع الأزمة المرتقبة؟

من الصعب التكهن بسيناريو محدد للأزمة المرتقبة، ولذا فإن أسواق العالم في حيرة وارتباك، لا تعرف بالضبط ماذا تفعل، وما هي السيناريوهات المطروحة للتعامل مع هذا المارد الاقتصادي العنيف.




اقرأ أيضاً: النفط الخفيف يهوي دون 31 دولارا للبرميل

المساهمون