تشتهر منطقة سهل الغاب في ريف حماة الغربي والقرى والبلدات المطلة على نهر العاصي في محافظة إدلب بتربية وصيد الأسماك، وقد تحولت منذ عشرات السنين إلى مهنة تشكل مصدر رزق لمئات العائلات. لكنّ الأعمال العسكرية المستمرة في المنطقة خلفت خسائر بيئية واقتصادية عميقة على هذا القطاع الذي يتخذ من هذه المنطقة مركزاً له على مستوى سورية ككلّ.
يقول العامل في القطاع عبد المجيد الحمود لـ"العربي الجديد": "جميع السوريين يعرفون أسماك الكارب والمشط والسلور التي ننتجها، نربيها في أحواض اصطناعية وفي المستنقعات. آخرون يهوون الاصطياد من نهر العاصي. لكن، تراجعت المهنة هذه الأيام، فكثير من الأحواض دمر نتيجة القصف، وهاجر الشبان، وانتقلت العائلات إلى المخيمات تاركة كلّ شيء وراءها، وبعضهم انتقل للقتال على الجبهات مع النظام، ومن بقي منهم يواجه خسائر متكررة نتيجة صعوبة ظروف العمل".
تتطلب تربية الأسماك مراقبة طبية دائمة، وشروطاً دقيقة من ناحية نوعية الأعلاف ونوعية المياه التي تعيش فيها، وتتطلب حرفية عالية توفرت لدى سكان المنطقة نتيجة توارثها.
يقول محمد درويش، رئيس المجلس المحلي في باب الطاقة (من أشهر البلدات السورية لتربية الأسماك) لـ"العربي الجديد": "نحتاج إلى تبديل مياه الأحواض بشكل دوري عن طريق ضخها بواسطة مضخات تعمل بالكهرباء أو بالديزل (المازوت)، ولم يعد بمقدورنا تأمين العملية بسهولة نتيجة ارتفاع أسعار الوقود ووصوله إلى أرقام قياسية بلغت أحياناً خمسة وعشرين ضعفاً عن سعره قبل عام 2011، بالإضافة إلى عدم وصول الكهرباء الحكومية، واقتصار التغذية على المولدات الصغيرة والمتوسطة".
في سياق آخر، ونتيجة لقلة الأدوية المخصصة للوقاية، تنتشر أمراض تؤدي إلى نفوق الأسماك بكميات كبيرة، ومنها الجمرة الخبيثة والتهاب الغلاصم (جهاز التنفس). يقول مربي الأسماك أبو محمد لـ"العربي الجديد": "انتشرت الجمرة الخبيثة العام الماضي، وكانت كارثة حقيقية لنا، إذ انتقل المرض بالعدوى، وخلال أيام رأينا أسماك الأحواض طافية على سطح الماء ميتة ومشوهة". يتابع: "يمنع النظام دخول الأدوية المخصصة لوقاية الأسماك، كسياسة ممنهجة لمحاربة السكان في مصادر رزقهم. نقوم بتهريبها أحياناً، وندفع مبالغ مالية كبيرة لقاء الحصول عليها، لكنّ انخفاض جودتها لا يعطي نتائج إيجابية، لذلك يلجأ المربون إلى طرق بدائية للعلاج من دون الحصول على نتائج نافعة".
اقــرأ أيضاً
يواجه مربو الأسماك شكلاً آخر من صعوبات العمل أهمها نقص الأعلاف وغلاء أسعارها، والتسويق. يقول عبد الرحمن الحمود: "غالبية السكان غير قادرين على شراء الأسماك، نتيجة ارتفاع أسعارها وفقر حالهم. كثير منهم غير قادر على تأمين رغيف الخبز ووقود التدفئة. سابقاً كانت أسماكنا طعام الفقراء لرخص ثمنها، والمطاعم مليئة بالزبائن، اليوم غالبيتها أغلقت أبوابها بسبب عدم وجود الزبائن".
أيضاً يتعرض المنتجون لمشاكل في تسويق منتجاتهم في الأسواق الكبرى كدمشق وحلب نتيجة الظروف الأمنية السائدة، وفرض إتاوات كبيرة من حواجز النظام عليها. يقول رئيس المجلس المحلي لباب الطاقة محمد درويش: "يجب أن ندفع ضعفي أو ثلاثة أضعاف قيمة الأسماك كرشاوى لحواجز النظام، وربما تتعرض للمصادرة من قبلهم تحت أي حجة، الأمر الذي يجعل عملنا خاسراً".
تعتبر تربية الأسماك بريفي حماة وإدلب من الموروثات الثقافية والاجتماعية التي يشتهر بها الأهالي، فقد امتهنها كثيرون كمهنة أساسية أو ثانوية. هي تحولت إلى هوية يعرف من خلالها السكان، فمن يعبر في تلك المناطق لا بدّ له من الراحة في أحد مطاعمها البسيطة التي تقدم السمك مقلياً أو مشوياً.
أبو جانو سائق من محافظة الحسكة، يقول لـ"العربي الجديد": "عملت في نقل النفط بين محافظة الحسكة ومصفاة بانياس. كلّ أسبوعين، كنت آخذ قسطاً من الراحة في سهل الغاب، فأتناول وجبتي المعتادة من سمك المشط المشوي. أهالي المنطقة أصبحوا أصحابي، فقد عبرت بينهم طوال خمسة عشر عاماً، فقابلت وجوهاً طيبة وكريمة ومحبة. حالياً، كل شيء تغير، لم يعد بمقدوري السفر، حاولت كثيراً التواصل معهم ومعرفة أحوالهم من دون جدوى".
من جهته، يقول جميل شحار (81 عاماً) من جسر الشغور: "منذ أن كنت في العاشرة، أمارس هواية الصيد من نهر العاصي طوال العام، أمضيت 65 عاماً في هذه الهواية، حتى خروجي إلى تركيا عام 2015. كنت أصطحب أحفادي، وعلّمتهم أصول الصيد وتقاليده. أتمنى أن أعود إلى ذلك، فلا شيء يعوضني عنه".
اقــرأ أيضاً
يقول العامل في القطاع عبد المجيد الحمود لـ"العربي الجديد": "جميع السوريين يعرفون أسماك الكارب والمشط والسلور التي ننتجها، نربيها في أحواض اصطناعية وفي المستنقعات. آخرون يهوون الاصطياد من نهر العاصي. لكن، تراجعت المهنة هذه الأيام، فكثير من الأحواض دمر نتيجة القصف، وهاجر الشبان، وانتقلت العائلات إلى المخيمات تاركة كلّ شيء وراءها، وبعضهم انتقل للقتال على الجبهات مع النظام، ومن بقي منهم يواجه خسائر متكررة نتيجة صعوبة ظروف العمل".
تتطلب تربية الأسماك مراقبة طبية دائمة، وشروطاً دقيقة من ناحية نوعية الأعلاف ونوعية المياه التي تعيش فيها، وتتطلب حرفية عالية توفرت لدى سكان المنطقة نتيجة توارثها.
يقول محمد درويش، رئيس المجلس المحلي في باب الطاقة (من أشهر البلدات السورية لتربية الأسماك) لـ"العربي الجديد": "نحتاج إلى تبديل مياه الأحواض بشكل دوري عن طريق ضخها بواسطة مضخات تعمل بالكهرباء أو بالديزل (المازوت)، ولم يعد بمقدورنا تأمين العملية بسهولة نتيجة ارتفاع أسعار الوقود ووصوله إلى أرقام قياسية بلغت أحياناً خمسة وعشرين ضعفاً عن سعره قبل عام 2011، بالإضافة إلى عدم وصول الكهرباء الحكومية، واقتصار التغذية على المولدات الصغيرة والمتوسطة".
في سياق آخر، ونتيجة لقلة الأدوية المخصصة للوقاية، تنتشر أمراض تؤدي إلى نفوق الأسماك بكميات كبيرة، ومنها الجمرة الخبيثة والتهاب الغلاصم (جهاز التنفس). يقول مربي الأسماك أبو محمد لـ"العربي الجديد": "انتشرت الجمرة الخبيثة العام الماضي، وكانت كارثة حقيقية لنا، إذ انتقل المرض بالعدوى، وخلال أيام رأينا أسماك الأحواض طافية على سطح الماء ميتة ومشوهة". يتابع: "يمنع النظام دخول الأدوية المخصصة لوقاية الأسماك، كسياسة ممنهجة لمحاربة السكان في مصادر رزقهم. نقوم بتهريبها أحياناً، وندفع مبالغ مالية كبيرة لقاء الحصول عليها، لكنّ انخفاض جودتها لا يعطي نتائج إيجابية، لذلك يلجأ المربون إلى طرق بدائية للعلاج من دون الحصول على نتائج نافعة".
أيضاً يتعرض المنتجون لمشاكل في تسويق منتجاتهم في الأسواق الكبرى كدمشق وحلب نتيجة الظروف الأمنية السائدة، وفرض إتاوات كبيرة من حواجز النظام عليها. يقول رئيس المجلس المحلي لباب الطاقة محمد درويش: "يجب أن ندفع ضعفي أو ثلاثة أضعاف قيمة الأسماك كرشاوى لحواجز النظام، وربما تتعرض للمصادرة من قبلهم تحت أي حجة، الأمر الذي يجعل عملنا خاسراً".
تعتبر تربية الأسماك بريفي حماة وإدلب من الموروثات الثقافية والاجتماعية التي يشتهر بها الأهالي، فقد امتهنها كثيرون كمهنة أساسية أو ثانوية. هي تحولت إلى هوية يعرف من خلالها السكان، فمن يعبر في تلك المناطق لا بدّ له من الراحة في أحد مطاعمها البسيطة التي تقدم السمك مقلياً أو مشوياً.
أبو جانو سائق من محافظة الحسكة، يقول لـ"العربي الجديد": "عملت في نقل النفط بين محافظة الحسكة ومصفاة بانياس. كلّ أسبوعين، كنت آخذ قسطاً من الراحة في سهل الغاب، فأتناول وجبتي المعتادة من سمك المشط المشوي. أهالي المنطقة أصبحوا أصحابي، فقد عبرت بينهم طوال خمسة عشر عاماً، فقابلت وجوهاً طيبة وكريمة ومحبة. حالياً، كل شيء تغير، لم يعد بمقدوري السفر، حاولت كثيراً التواصل معهم ومعرفة أحوالهم من دون جدوى".
من جهته، يقول جميل شحار (81 عاماً) من جسر الشغور: "منذ أن كنت في العاشرة، أمارس هواية الصيد من نهر العاصي طوال العام، أمضيت 65 عاماً في هذه الهواية، حتى خروجي إلى تركيا عام 2015. كنت أصطحب أحفادي، وعلّمتهم أصول الصيد وتقاليده. أتمنى أن أعود إلى ذلك، فلا شيء يعوضني عنه".