أزمات تُفاقم الجوع... تراجع الزراعة وانخفاض الأجور يهددان اليمنيين

18 يناير 2020
تفاقم أزمات الفقر في اليمن (العربي الجديد)
+ الخط -
يعيش اليمن انهياراً متسارعاً للأمن الغذائي وصل لمرحلة الخطر الكارثي وفق أحدث تصنيف دق ناقوس الخطر في مشكلة مزمنة تعاني منها البلاد، لكنها باتت بسبب الحرب والصراع خطراً داهماً تهدد حياة ملايين اليمنيين.

إذ يكشف التقرير الصادر عن قطاع الدراسات الاقتصادية اليمنية (حكومي) بالتعاون مع منظمة اليونيسيف، عن انعدام الأمن الغذائي في البلاد ومعاناة 20 مليون يمني من تهديد الانهيار المعيشي المتسارع، وبالتالي تصنيف اليمن في المرحلة الخامسة الكارثية. وتعتبر العوامل الاقتصادية، من بين الأكثر تأثيراً على تفاقم هذه الأزمة

ويعدد التقرير مجموعة أسباب قادت إلى تسارع انهيار الأمن الغذائي في البلاد، أهمها الحرب والصراع الدائر وانكماش النشاط الاقتصادي وارتفاع الخسائر التراكمية في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (تكلفة الفرصة الضائعة) التي قدرت بحوالي 66 مليار دولار خلال الفترة 2015 - 2019.

ويقدر التقرير تراجع ناتج قطاع الزراعة والأسماك بحوالي 32.8% متأثراً ضمن عوامل أخرى بارتفاع أسعار الوقود وتكاليف مدخلات الإنتاج الزراعي ومحدودية الوصول إلى مناطق الاصطياد السمكي. الأمر الذي أدى إلى فقدان سبل العيش وتقليص فرص العمل والدخل لشريحة كبيرة من السكان.

وانخفض متوسط دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية من 1247 دولاراً عام 2014 إلى 364 دولاراً عام 2019، وفق التقرير، بمعدل تغير تراكمي بلغ 70.8%.

ونظراً لكون 96% من اليمنيين مستهلكا صافيا للغذاء، وينفقون ما يقرب من نصف ميزانيتهم على الطعام، فإن فقدان أو تدني الدخل يؤثر بصورة مباشرة على مقدرتهم الشرائية.

انهيار الصادرات

وأدى انهيار الصادرات حسب التقرير إلى تدهور الوضع الكلي للأمن الغذائي كثيراً بسبب تراجع صادرات النفط والغاز وغيرها من المنتجات الزراعية والسمكية. حيث قُدر تراجع إجمالي الصادرات بحوالي 80% عام 2019 مقارنة بما كانت عليه عام 2014 مما أثر على سبل العيش للمزارعين والصيادين، وقلص تدفق النقد الأجنبي إلى البلاد. وساهم ذلك في تدهور العملة الوطنية مقابل الدولار وارتفاع سعر الصرف التفضيلي لتمويل واردات السلع الغذائية الاساسية بأكثر من ضعفين مقارنة بقبل الأزمة.

ويتحدث مدير قطاع الدراسات الاقتصادية الاستراتيجية عبد المجيد البطلي عن تأثيرات انقسام إدارة المالية العامة وتدهور الإنفاق العام، حيث توقفت الموازنة العامة عن تمويل ليس فقط البرامج الاستثمارية، ولكن أيضاً التحويلات النقدية للحالات الفقيرة المسجلة في صندوق الرعاية الاجتماعية منذ بداية عام 2015، وأجور ومرتبات جزء كبير من موظفي الدولة لأكثر من عامين.

ويضيف في حديث مع "العربي الجديد" أن توقف نفقات التشغيل للخدمات الاجتماعية الأساسية في التعليم والصحة والمياه والكهرباء في كثير من مناطق البلاد، تركت السكان يعتمدون على المساعدات الخارجية المحدودة وغير المستدامة. وبالتالي، حرم نسبة كبيرة من السكان من مصدر دخلهم الرئيسي، مقوضاً قدرتهم الشرائية للسلع والخدمات الغذائية وغير الغذائية، خاصة أن 32% من موظفي الدولة كانوا يعانون انعدام الأمن الغذائي قبل الأزمة.

كما أثر تراجع النفقات الاجتماعية سلباً على الطلب الكلي في الاقتصاد، وساهم في زيادة البطالة، وتفاقم انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، وتعميق فجوة الفقر حيث أصبح 80% من اليمنيين في حاجة إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية والحماية.

أزمة الرواتب

وتوقفت الحكومة اليمنية عن صرف مرتبات المتقاعدين المدنيين في كافة مناطق اليمن وكذا مرتبات الموظفين النازحين، إضافة إلى مرتبات قطاع الصحة وجهات حكومية أخرى في مناطق سيطرة الحوثيين، الأمر الذي يضاعف معاناة مئات الاَلاَف من الموظفين.

وكانت منظمة اليونيسف قد نفذت بتمويل من البنك الدولي الجولة الخامسة من مدفوعات تحويلات الرعاية الاجتماعية في سبتمبر / أيلول مغطية 9 ملايين شخص تقريباً. ووجد التقرير أن 9 من كل 10 مستفيدين استخدموا التحويلات لشراء الغذاء، بينما ما يقارب النصف استخدمها لشراء أدوية، وربع المستفيدين استخدمها لسداد الديون.

أيضاً، شكلت أزمة سعر الصرف أبرز العوامل المستجدة التي فاقمت من انعدام الأمن الغذائي في البلاد. ورغم الارتفاع النسبي في سعر صرف الدينار أخيراً، إلا أنه ما زال مرتفعاً مقارنة بما كان عليه في مطلع 2015. ففي نهاية 2019، كان سعر الصرف الموازي أعلى بحوالي 147% بينما كان سعر الصرف التفضيلي لاستيراد السلع الغذائية الأساسية أعلى بحوالي 107% مقارنة بفترة ما قبل الحرب. وهذا يقود إلى زيادة معدل تضخم أسعار المستهلك، وبالتالي يضعف القوة الشرائية للعملة الوطنية، ويقود لتآكل المدخرات وتخفيض القيمة الحقيقية للدخل.

وساهم انخفاض الاستهلاك الحقيقي إلى انزلاق مزيد من السكان في مربع انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، خاصة وأن اليمن يعتمد على الاستيراد في تغطية احتياجاته من الدواء والكساء والوقود، ويستورد نحو 75% من الاستهلاك الغذائي للسكان.

ارتفاع التضخم

ويؤكد التقرير تصاعد معدل التضخم التراكمي لأسعار المستهلك بحوالي 114%، حيث ارتفعت أسعار سلع ضرورية لحياة المواطن مثل الغذاء والمسكن والملبس والدواء والنقل والوقود، بنسب كبيرة.

ويقول مدير المؤسسة اليمنية لتنمية وإنتاج الحبوب أحمد خالد الخالد، إن انعدام الأمن الغذائي مشكلة مزمنة يعاني منها اليمن، لكن الحرب والحصار أديا إلى تسريع عملية انهياره، لكنها كما يؤكد ليست معضلة عصية عن الحل.

ويشدد في حديث لـ "العربي الجديد" على أهمية تغيير النمط الاستهلاكي للمجتمع اليمني، والاعتماد على المنتجات الزراعية من محاصيل الحبوب المنتجة محلياً كالذرة والدخن والشعير والبقوليات في الغداء اليومي، والتقليل من الحبوب المستوردة وخاصة دقيق القمح، وهذا سيعمل على التقليل من فاتورة الاستيراد للقمح من الخارج، إلى جانب تحقيق نقلة نوعية في دعم المزارع اليمني وتشجيعه على الاستمرار، والتوسع في زراعة أكبر مساحة ممكنة من الأراضي وتوفير فرص عمل، والقضاء على أمراض سوء التغذية والأمراض الأخرى الناتجة عنها.

ويؤكد الخالد ضرورة زيادة إنتاج الحبوب وزيادة نسبة الاكتفاء الذاتي تدريجياً، وكذا تخفيض تكاليف الإنتاج ودعم وتشجيع المزارعين وإدخال التقنيات الزراعية الحديثة، وتشجيع ودعم البحوث الزراعية الهادفة لتطوير الإنتاج لمواجهة تسارع انهيار الأمن الغذائي.
المساهمون