أزمات السودان: الوقود والسيولة والخبز و"الدولة العميقة"

23 نوفمبر 2019
نقص في الدقيق في السودان (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -
رغم الآمال العريضة لإخراج السودان من النفق الاقتصادي الضيق وبداية المعالجة في ظل حكومة عبد الله حمدوك، إلا أن بعض المواطنين أصيبوا بالإحباط لبطء المعالجة، في ظل زيادة حدة المعاناة وانفراط عقد الاصلاح الاقتصادي، بعد أقل من شهرين على تولى حمدوك وحكومته زمام الأمور في البلاد. وتتفاقم الأزمات المعيشية وزيادة طوابير الخبز والوقود وأزمة المواصلات وسط تساؤلات المواطنين عن آليات إنهاء هذه المشكلات.

ويسأل الموظف سعيد توفيق: "كيف نقضي على ظاهرة انعدام الخبز والدقيق، فالحكومة يجب أن تعمل على تشجيع زراعة القمح، وأن تعفي المزارعين من كل الجبايات والرسوم، وأن تمنحهم الأراضي مجاناً وتشتري منهم القمح بأسعار تشجيعية. وذلك، إلى جانب إغلاق الباب أمام التهريب وإنزال أشد العقوبات بالمهربين. والعمل على زيادة حجم الرغيف حتى لا يشتري المواطن أعدادا أكثر من الأرغفة وتتزايد عليه الأسعار".

بدوره، يقول المواطن الصادق عبدالله شمو إنه "على الرغم من وعود حمدوك بحل الأزمة المرتبطة بنقص الوقود، إلا أننا ما زلنا نشاهد صفوف المركبات أمام المحطات لفترات طويلة ووقت متأخر من الليل. لا ننكر أن عدد الطوابير تراجع قليلا، لكن هذه الظاهرة لم تنته".

ويتساءل الكثيرون: "لماذا لم تعمل الحكومة على مراقبة الوقود خاصة بعد تصريحات وزير الإعلام والثقافة فيصل محمد صالح بوجود تهريب للوقود قبل وصوله للمحطات؟ ولماذا يجبر بعض العاملين في المحطات على إغلاقها لساعات رغم توافر الوقود؟".

ويقول أحد المواطنين: "نسمع عن وصول بواخر عبر ميناء بورتسودان، ولكن الحال كما هو عليه ولم تحرك الحكومة ساكنا لحل الأزمة أو تخفيفها أو وضع أسس ولوائح، لتنظيم حصص الوقود وضبط العاملين بالمحطات وإلزامها بالعمل 24 ساعة كما كانت تعمل سابقاً".

مع تفاقم أزمة الوقود برز إلى السطح ارتفاع سعر أسطوانة الغاز (غاز الطبخ) الذي وصل للأسطوانة زنة 12.5 كيلوغراماً إلى أكثر من 300 جنيه، وعدم وجود جميع الأنواع في محلات توزيع الغاز المعتمدة، ما خلق طوابير أمام محلات الغاز. ولم يستبعد المواطن محمد اسحاق أن يقود انعدام الوقود والغاز إلى ثورة جديدة لأنه يؤثر بشكل مباشر على كثير من مناحي الحياة.

وتوجهت الموظفة رانيا صلاح ادريس برسالة استغاثة إلى رئيس الوزراء فيما يتعلق بأزمة المواصلات، وقالت إن "الازدحام وأزمة المواصلات من الأزمات اليومية التي ما زالت تطاردنا منذ عهد الحكم السابق وظلت مستمرة إلى الآن، ولا نعرف متى سوف تحل أو تنتهي على الرغم من مناشدة المواطنين للحكومة الانتقالية".

وتحتاج أزمة المواصلات إلى خطة لمعالجة سريعة بتوفير باصات أو حافلات عامة، وإلزام نقابة المواصلات بمراقبة المواقف العامة وإجبار السائقين بتعريفة موحدة لكافة الخطوط بمنشورات مختومة ومعتمدة من وزارة النقل والمواصلات.

من جهة أخرى، يقول المواطن الباقر عبدالله إن حكومة حمدوك نجحت بشكل كبير في توفير النقود بالبنوك والصرافات، إلا أنها مطالبة بالمزيد من الجهود لاستدامة هذه الوفرة لأن الثقة ما زالت مفقودة بين المودع والبنك. ويشرح أن هذا الأمر يتطلب اتباع نظام مصرفي قوي وإعادة الثقة بين المواطن والبنك لإيداع أمواله فيها.

أيضاً على الحكومة إغلاق الباب أمام تجار العملة. ويضيف: "انعدام توافر النقود في وقت سابق ساهم بشكل كبير في ارتفاع الأسعار التي ظلت عند مستويات عالية، خاصة السلع الاستهلاكية، وقد يكون لجشع التجار دور في ذلك بسبب ضعف الرقابة على الأسواق".

وبقيت أسعار العملات بالسوق الموازية تشهد ارتفاعا حيث وصل سعر الدولار وفقا لمتعاملين إلى أكثر من 70 جنيها، وعزا تجار عملة الارتفاع إلى شح المعروض وزيادة الطلب، كما أرجع مراقبون الأمر إلى فشل الحكومة في إيجاد دعم خارجي.

ومن جانبه، يلفت الخبير الاقتصادي سعد محمد أحمد إلى أن استمرار تفاقم الأزمات الاقتصادية القائمة يعود إلى إمساك النظام السابق بكل الملفات الاقتصادية إلى الآن، بسبب قوة "الدولة العميقة" رغم سقوط النظام. ويشرح أن الأمر يحتاج إلى إصلاحات داخلية وخارجية.

فالإصلاحات الداخلية تبدأ بسياسات الدولة ومفاصلها وإصلاح مراكز القوة فيها، ومؤسسات البترول ووضع رقابة مشددة على المحطات والمخابز لتنظيم عملية توزيع الوقود وحصص الدقيق. أما الإصلاحات الخارجية تتمثل في السعي لرفع الحصار المصرفي عن السودان حتى يتم ضبط سعر الصرف ومحاربة تجار العملة.
المساهمون