أرقام وحكايات من الميدان

16 اغسطس 2016
(تصوير: أحمد إسماعيل)
+ الخط -

ثلاثة أعوام مرَّت على فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، لم تكن كافية حتى الآن لمعرفة عدد الضحايا الذين سقطوا ذلك اليوم، أو معرفة مصير من اختفوا قسرياً ولم يعثر لهم على أثر.

حملت تلك السنوات إحصاءات عديدة لعدد القتلى، صادرة عن عدد من الجهات الرسمية والمنظمات الحقوقية، بعد القبض على عدد وصل إلى 9759 وفقاً لمبادرة "ويكي ثورة"، وضع أغلبهم على ذمة قضايا، ليحمل 14 أغسطس/آب 2013 العديد من الأرقام والحكايات.


أعداد متفاوتة
لم يصدر عدد موحّد لضحايا ذلك اليوم، فوزارة الصحة المصرية أعلنت في 16 أغسطس/آب عن حصر 227 قتيلاً و1492 مصاباً، لتتوقف منذ ذلك الوقت عن إصدار بيانات أخرى.

من جهته، ذكر تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان مقتل 624 بميدان رابعة، وأكثر من 80 بميدان النهضة. اختلف ذلك العدد مع لجنة تقصي حقائق 30 يونيو والمشكلة بقرار جمهوري، لتعلن مقتل 607 في رابعة، من بينهم بعض المواطنين قُتلوا برصاص مسلحي التجمع، بحسب التقرير، و88 قتيلاً في فض ميدان النهضة.

رصد التقرير الصادر من منظمة هيومن رايتس ووتش، 817 حالة قتل بميدان رابعة، و87 حالة بميدان النهضة، واختلف ذلك أيضاً مع تقرير "أسابيع القتل"، الصادر من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والتي أوضحت أن عدد القتلى في رابعة 932 وفي النهضة 87 حالة.

ووفقاً لحصر ويكي ثورة، وثقت 904 حالة قتل، جمعت من أماكن عدة في محيط رابعة العدوية ومسجد الإيمان، بينما ذكرت العفو الدولية في تقريرها: "خارطة الطريق نحو القمع" مقتل أكثر من 500 في ميدان رابعة العدوية ذلك اليوم، وسط تصريحات من حازم الببلاوي، رئيس الحكومة وقتها بمقتل ما يقرب من ألف شخص.


حكايات المختفين
تكرر ذلك الأمر في محاولة حصر أعداد المختفين، ولم تستطع المنظمات التواصل إلا مع أعداد قليلة من أسرهم.

إبراهيم متولي، منسق رابطة أسر المختفين قسرياً، يوضح أن أعداد المختفين من ذلك اليوم تقارب 900 إلا أن الرابطة لم تتمكن من التواصل إلا مع 22 أسرة فقط منهم.

المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ذكرت وجود 259 جثة مجهولة الهوية، تمكنت أسرهم من التعرف إليهم فيما بعد من خلال تحليل DNA كان من بينهم 40 جثة محترقة، وفقاً لتقرير هيومن رايتس.

محمد خضر، 22 عاماً، واحد ممن اختفوا عصر ذلك اليوم، تعلم والدته بمقتله، لكنها لم تتمكن من العثور على جثمانه حتى الآن رغم إجرائها تحليل DNA وعدم مطابقته لأي من الجثث التي نقلت من المستشفيات والمشرحة.

توضح والدته لـ"جيل العربي الجديد" أن ابنها سقط أمام "طيبة مول" أثناء فض الاعتصام في بقعة انهالت عليها قنابل الغاز المسيلة للدموع وبدأت الجرافات في التحرك لإزالة كل الموجود في تلك المنقطة.

واصلت والدة محمد الذهاب إلى المشرحة طوال تلك الفترة، وفي النهاية لم تجده، مشيرة إلى أنها تعلم أنه لم يقبض عليه، فمن خرجوا من داخل سجن العازولي ومعسكر الجلاء الذي وضع به المختفون قسرياً لم يتعرفوا إلى محمد، رغم تعرفهم إلى العديد من المختفين وإقرارهم بوجودهم.

تؤكد أن حالة ابنها لم تكن الوحيدة في فشل أسر في العثور على أبنائها، فسعيد حسانين ومحمد إبراهيم كانت حالتهم مشابهة لمحمد خضر. بدأ العام الرابع على اختفاء محمد، تعلم والدته أنه لن يعود حياً، لكنها تريد استرجاع "ولو جزء صغير منه" لدفنه، لتتمكن من زيارته في قبر ما.

حنان بدر الدين، زوجة خالد عز، أحد المختفين من أحداث المنصة، واصلت البحث مع أسر المختفين من رابعة العدوية، والذهاب للسجون للسؤال عنهم ومصلحة الطب الشرعي والمشرحة.

بنهاية 2013 لم يكن هناك سوى جثة واحدة باقية في مشرحة زينهم بعد دفن الجثث، كانت تلك الزيارة الأخيرة لها هناك، لكنها بعد عدة أيام فوجئت بإعلان مصلحة الطب الشرعي عن دفن 35 جثة مجهولة الهوية، من بينهم 30 لقوا مصرعهم خلال فض اعتصام رابعة العدوية و5 جثث نقلت خلال اشتباكات رمسيس التي تلت الفض بيومين.

حاولت حنان الاتصال بموظفي المصلحة لمعرفة ما حدث، لكن الموظف رفض إجابتها وطالبها بالتحدث لرئيس المصلحة آنذاك، هشام عبد الحميد، لكنه لم يجب على اتصالاتها، بحد قولها، موضحة أنها عاودت الاتصال مرة أخرى بموظفة من المصلحة، متسائلة: "كنا عندكم من كم يوم ومكانش فيه غير جثة واحدة، جت منين الجثث دي"، فأكدت لها الموظفة تلك المعلومة لكنها رفضت الإفصاح عن أي معلومات.

تملك حنان العديد من الحكايات عن أهالي المفقودين في رابعة، مشيرة إلى أن من بينهم أسرة عثرت على صورة على شبكة الإنترنت لجثة محترقة تحمل ملامح ابنها المفقود، لكنهم لم يعثروا له على أثر أو تأكيد لمقتله.

في تقرير المفوضية المصرية للحقوق والحريات الصادر في 2015 بعنوان "ساعات استباحة القتل الجماعي"، ذكرت أن الأحداث تركت وراءها كثيراً من الأفراد الذين تعرضوا للقبض والاختفاء في أماكن احتجاز سرية، لم يستطع ذووهم التوصل إليهم، رغم بحثهم عنهم في أماكن الاحتجاز واتخاذ كافة الإجراءات القانونية من شكايات وبلاغات للنائب العام، ما يثير الشكوك حول وجود مقابر سرية دفن فيها بعض الجثث.

تمكن بعض الأهالي من التأكد من وفاة ذويهم أثناء عملية فض الاعتصام، ولكن لم يعثروا على جثثهم، وغير مقيدين بالكشوف، وتمكنت المفوضية من رصد 32 حالة اختفت من وقائع الفض.


(مصر)

المساهمون