بعد ساعات من تصريحات مسؤولين أتراك لوكالة "رويترز" بشأن مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، عقب اختفائه يوم الثلاثاء الماضي، إثر دخوله القنصلية السعودية في إسطنبول، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم الأحد، إن بلاده ما زالت تحسن النية بشأن مصيره.
وتعليقاً على تطورات اختفاء خاشقجي، قال أردوغان، في تصريحات صحافية عقب كلمة ألقاها في لقاء لحزب "العدالة والتنمية" الذي يقوده في أنقرة: "ما زلت أحسن النية في توقعاتي، بإذن الله لن نواجه حالة لا نرغب فيها"، مضيفا: "أتابع بصفتي رئيساً للجمهورية مسألة اختفاء خاشقجي، وسنعلن نتائج التحقيقات إلى العالم مهما كانت".
كذلك أوضح أنه "جار التحقق من عمليات الدخول إلى القنصلية السعودية والخروج منها، ونسعى للتوصل إلى نتيجة بسرعة".
وتابع أردوغان "ما زلت محسناً النية، وهو ما آمله، وأتمنى ألا نواجه أمراً لا نريده، وخطيبته تنتظر أيضاً"، إلا أنه أفاد "أؤمن أن الأحرار في هذا العالم، خاصة في بلدنا، سيلاحقون الأمر ويتابعونه ولن يتركوه".
وأكد "بصفتي رئيس البلاد، سأتابع الأمر، والنتيجة التي ستخرج من هنا مهما كانت سنعلنها للعالم، والصور يتم التحقق منها عبر الادعاء العام الذي يتابع الأمر ويحقق فيه".
ولفت أردوغان إلى أن ما يتم التحقق منه هو مشاهد "الدخول والخروج للقنصلية، حيث يتم التحقق منها، وكذلك الخروج والقدوم من المطار، كل ذلك تتم متابعته من قبل قوى الأمن، وفي نفس الوقت قوات الشرطة تتابع الأمر لنرى النتيجة، ونريد أن نحصل على نتيجة سريعة".
وقالت مصادر تركية إن الأشخاص الذين دخلوا مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول أثناء وجود خاشقجي هم من رجال الشرطة السعودية.
وأضافت المصادر، للأناضول، أن هؤلاء الأشخاص من الشرطة السعودية، وتم إرسالهم في وقت سابق، وجاؤوا إلى مبنى القنصلية بسيارات فارهة.
واليوم أيضاً، زار وفد أمني سعودي مبنى قنصلية السعودية في إسطنبول، لمدة ساعتين، بحسب وكالة "الأناضول".
وكان مصدر مسؤول في القنصلية السعودية بإسطنبول قد اكد في وقت سابق اليوم أن "وفداً أمنياً مكوناً من محققين سعوديين وصلوا إلى إسطنبول، السبت، بناءً على طلب الجانب السعودي، وموافقة الجانب التركي الشقيق مشكوراً، للمشاركة في التحقيقات".
ولم تهدأ مواقع التواصل الاجتماعي، الليلة الماضية، بعد إعلان مصادر تركية لوكالة "رويترز" عن مقتل خاشقجي، بعد اختفائه، يوم الثلاثاء الماضي، إثر دخوله القنصليّة السعوديّة في إسطنبول، وسط نفي سعودي.
ونقلت وكالة "رويترز" عن أحد المصادر، وهو مسؤول تركي، قوله "التقييم الأوّلي للشرطة التركية هو أن خاشقجي قُتل في القنصلية. نعتقد أن القتل متعمد، وأن الجثمان نُقل إلى خارج القنصلية".
وبينما فتحت النيابة العامة التركية تحقيقاً على خلفية اختفاء خاشقجي، يواصل صحافيون من مختلف وسائل الإعلام التركية انتظارهم أمام مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول.
وفي وقت سابق اليوم، أعاد ياسين أقطاي، النائب عن حزب "العدالة والتنمية" ومستشار الرئيس التركي، التأكيد على اعتقاده بمقتل خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول، مشددا على أن "السلطات التركية لديها معلومات ملموسة بشأن حادثة الاختفاء".
وقال أقطاي، خلال اتصال هاتفي مع قناة (سي.إن.إن ترك)، إن السلطات التركية تعتقد أن مجموعة من 15 سعوديا "ضالعة على نحو شبه مؤكد" في الأمر، مشيرا إلى أن حديث مسؤولين سعوديين عن عدم وجود تسجيلات للكاميرات "لم يكن صادقا"، وأن السلطات التركية "لديها معلومات ملموسة".
وكانت وكالة الأنباء الرسمية السعودية "واس" قد أكدت، من جهتها، أن وفداً أمنياً سعودياً وصل، أمس السبت، إلى إسطنبول بعد موافقة الجانب التركي، للتحقيق في اختفاء الصحافي السعودي.
ونفى مصدر مسؤول في القنصلية العامة للسعودية في إسطنبول، صباح الأحد، مقتل خاشقجي داخل القنصلية. وشجب المصدر، في بيان، "هذه الاتهامات العارية عن الصحة"، غير أن مستشار أردوغان أكد، حسب ما نقلت وكالة "رويترز" في وقت لاحق، أن خاشقجي لم يغادر القنصلية السعودية "بطريقة طبيعية".
من جهته، قال رئيس جمعية "بيت الإعلاميين العرب في تركيا"، طوران قشلاقجي: "نمتلك معلومات مؤكدة عن مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي".
وأضاف قشلاقجي، في تصريح للصحافيين اليوم من أمام مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول، أنهم تلقّوا معلومات حول "مقتل خاشقجي بوحشية"، لافتاً إلى أنهم تلقّوا تلك المعلومات قبل يومين إلا أنهم انتظروا للتأكد منها.
وأوضح قشلاقجي: "لقد تأكدنا من هذه المعلومات، يوم أمس. إن خبر مقتل جمال خاشقجي صحيح. والخبر الثاني هو أنه قُتل بوحشية كبيرة".
وأكد أن مسألة قتل خاشقجي "أمر لا يمكن قبوله"، وقال "سنبدي رد فعل رافضا لذلك، وآمل أن يتفاعل ضمير العالم معه".
وأشار إلى أن "خاشقجي لم يكن معروفاً في العالم العربي فحسب، بل كان اسماً معروفاً في كل العالم".
وفي وقت سابق اليوم، أعلن المتحدث باسم "حزب العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا، عمر جليك، أن بلاده ستكشف تفاصيل اختفاء خاشقجي، فيما نقلت "الأناضول" عن مصادر أمنية تركية تأكيدها عدم خروج خاشقجي من القنصلية في إسطنبول إثر دخوله إليها لإنهاء معاملة، مضيفة أن "15 سعودياً بينهم مسؤولون، وصلوا إلى إسطنبول بطائرتين ودخلوا القنصلية بالتزامن مع وجود خاشقجي، قبل العودة إلى البلدان التي قدِموا منها".
وأشار جليك، في مؤتمر صحافي بأنقرة، إلى أن بلاده "حساسة تجاه هذا الموضوع، فتركيا دولة آمنة، ولا يمكن لأحد أن يهدد حياة أحد، واهتمام الحكومة بهذه القضية على أعلى مستوى".
والأربعاء الماضي، استدعت وزارة الخارجية التركية السفير السعودي لدى أنقرة، وليد بن عبد الكريم الخريجي، للاستفسار عن وضع خاشقجي.
وكان وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان قد زعم، في مقابلة له الجمعة، مع شبكة "بلومبيرغ" الأميركية، مغادرة خاشقجي مبنى القنصلية بعد وقت قصير من دخولها، على عكس ما تؤكده خطيبته ومعارفه ووسائل الإعلام الدولية والمسؤولون الأتراك.
ورغم أنه لم يوضح الوجهة التي غادر الصحافي السعودي المعارض إليها، فقد أبدى بن سلمان استعداده للسماح للسلطات التركية بتفتيش مبنى القنصلية.
من المسؤول قانوناً عن اختفاء خاشقجي؟
إلى ذلك، قال أستاذ القانون الدولي في جامعة القاهرة، أيمن سلامة، لـ"العربي الجديد"، تعقيباً على المسؤولية القانونية عن اختفاء الصحافي السعودي خاشقجي بعد دخوله سفارة بلاده في إسطنبول، إن "مسؤولية دولة المقيم الأجنبي حال ارتكاب جرائم بحق ذلك المقيم تختلف عنها حال ارتكابها على إقليم ذات الدولة بحق مواطنيها".
وأوضح سلامة أن تلك المسؤولية تتمثل في "أولاً: السرعة في التحقيق. وثانياً: المحاكمات السريعة وليست المتسرعة لمرتكب الجريمة". مؤكداً أنه "لا يجوز العفو، كما لا يجوز تخفيف العقوبة".
وقال أيمن سلامة، الخبير في حفظ السلام وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، لـ"العربي الجديد"، إنه "بموجب قواعد (الحماية الدبلوماسية) يجب على الحكومة السعودية ممارسة حمايتها الدبلوماسية تجاه مواطنها الذي يحمل جنسيتها ضماناً لحقوق مواطنها".
وأوضح سلامة أن "الحماية الدبلوماسية تمارَس من خلال آليات وأدوات عديدة، من بينها طلب حضور التحقيقات والمحاكمات، وتوكيل هيئة دفاع عن مواطنها، والطلب من السلطات التركية تقديم الجبر الملائم للحكومة السعودية وليس للمواطن السعودي عند ثبوت إما مساهمة السلطات التركية في ارتكاب الجريمة أو تقصيرها في منع ارتكاب الجريمة".