أحببت الأرجوحة في صغري ثم كرهتها، وصرت أنهي ابنتي الصغيرة من الذهاب إليها، حيث ينصبها جارنا العجوز أمام بيتنا في الفضاء الواسع أيام العيد، وحيث يتجمع حولها الصبية، وخصوصاً البنات، فتتطاير بهن الأرجوحة ذات الصندوق الخشبي، وتتطاير مع حركتها تنانير البنات الصغيرات في تواطؤ ماكر، يكشف عن سراويلهن الداخلية التي يختلس لها النظر الرجل العجوز، ولا يشيح عينيه عنها إلا حين يمر من أمامه أحد الجيران الآباء فينتهر طفلا وهميًا، ويطلب منه في حنو زائف أن يكون أكثر تشبثا بالحبال لكيلا يقع.
كنت مولعة بركوب الأرجوحة، وكنت أنفق كل ما أحصل عليه من عيدية من أجلها.
كنت أعشقها حين تحلق بي عالياً، وأعانق بصفحة وجهي البيضاء لون السماء الأزرق، كنت أشعر بالسماء تربت على وجنتيّ، وكنت أسمع أصواتا تناديني وتستحثني وتكلمني، وكنت أرى ما لا يراه البشر، خاصة حين تتوسط الشمس كبد السماء، فتلك كانت هي اللحظة التي أحلم بها حين أرى الشمس كبيرة متوهجة، وحولها السماء وتحتها مباشرة يطير رأسي الصغير في رحلة لا تستغرق سوى ثانية من الوقت، ولكنني كنت أتمنى لو تطول الرحلة، وكنت أتمنى لو مددت يدي وتعلقت بالشمس التي ستأخذني لعالم جديد، وكنت أحلم وأحلم حتى تحولت علاقتي بالشمس والسماء لموعد غرامي كل يوم من أيام العيد
ولم أنتبه إلى تبدل المسؤول عن الأرجوحة، وأنا أعود كل يوم في نفس الوقت، ووجنتاي تتضرجان بالحمرة القانية، وشعري يتناثر حول وجهي المستدير، وتتلوث ساقاي بالرمال الجافة، ولكنني كنت أفكر فقط بأحلامي وخيالاتي وموعدي الغرامي…
أقرأ أيضًا:الكليجة... لا يأتي العيد إذا لم يصنعها العراقيون
كانت أمي تلبسني فساتين قصيرة ترتفع عن ركبتي بمسافة كبيرة، لدرجة أنني حين أنحني يظهر فخذاي بوضوح، ولكن هذه كانت الموضة الدارجة في أواخر السبعينيات، ولم أنتبه إلى أن المسؤول عن الأرجوحة كان يدعو أصدقاءه ممن هم في سنه وأكبر وأصغر، ليتحلقوا حول الأرجوحة، وينظرون لأعلى، وتحديدا وتركيزا على الفستان حين أطير، وتتوجه كل العيون المحملقة الجائعة إلى ما تحت فستاني الصغير.
كنت أرى اللهفة والاستعداد حين أقبل من بعيد، وأن الفتى المسؤول عن الأرجوحة أصبح يطيل لي المدة المقررة، والتي كانت تنتهي سريعا مقابل قروشي القليلة، ولكنني لم أفكر بالسبب، وربما فكرت للحظة وعزوت ذلك لقلة المرتادين، خاصة أن كل جيراننا من الطبقة الفقيرة، وكنا نحن العائلة الثرية في المنطقة……..
وكنت أطير مع أحلامي، وفي كل مرة أطير أجد عالما جديدا يرسمه خيالي، حتى كان اليوم الذي سمعت كلمة نابية، وأنا أطير…….
سمعت من يصف فخذيّ المكتنزين في وصف قبيح بذيء، وفي تلذذ لا يخلو من نهم، صحت وأنا أحلق عاليا بالمسؤول عن الأرجوحة أن يوقفها..الدموع اندفعت لتغرق وجهي. وأحتقن أكثر وأكثر بحمرة الغضب والخجل، وكل المُسميات التي يمكن أن تطلق على موقفي عدا السعادة التي كنت أشعرها وأنا أحلق.
وجدت الجمع الغفير من أبناء الحي المتحلق والمفتوح العيون أسفل قدمي حين نزلت عن الأرجوحة….
شعرت كم أنا غبية.. وكم كنت عرضا مثيراً ومغرياً، وأنا منطلقة ببراءة نحو أحلامي وسعادتي الوهمية. أطلقت سبابا خافتا مخنوقا بالدموع، وهرعت للبيت وبكيت كما لم أبكِ.
ومن يومها لم أعد للأرجوحة المصيدة.
كنت مولعة بركوب الأرجوحة، وكنت أنفق كل ما أحصل عليه من عيدية من أجلها.
كنت أعشقها حين تحلق بي عالياً، وأعانق بصفحة وجهي البيضاء لون السماء الأزرق، كنت أشعر بالسماء تربت على وجنتيّ، وكنت أسمع أصواتا تناديني وتستحثني وتكلمني، وكنت أرى ما لا يراه البشر، خاصة حين تتوسط الشمس كبد السماء، فتلك كانت هي اللحظة التي أحلم بها حين أرى الشمس كبيرة متوهجة، وحولها السماء وتحتها مباشرة يطير رأسي الصغير في رحلة لا تستغرق سوى ثانية من الوقت، ولكنني كنت أتمنى لو تطول الرحلة، وكنت أتمنى لو مددت يدي وتعلقت بالشمس التي ستأخذني لعالم جديد، وكنت أحلم وأحلم حتى تحولت علاقتي بالشمس والسماء لموعد غرامي كل يوم من أيام العيد
ولم أنتبه إلى تبدل المسؤول عن الأرجوحة، وأنا أعود كل يوم في نفس الوقت، ووجنتاي تتضرجان بالحمرة القانية، وشعري يتناثر حول وجهي المستدير، وتتلوث ساقاي بالرمال الجافة، ولكنني كنت أفكر فقط بأحلامي وخيالاتي وموعدي الغرامي…
أقرأ أيضًا:الكليجة... لا يأتي العيد إذا لم يصنعها العراقيون
كانت أمي تلبسني فساتين قصيرة ترتفع عن ركبتي بمسافة كبيرة، لدرجة أنني حين أنحني يظهر فخذاي بوضوح، ولكن هذه كانت الموضة الدارجة في أواخر السبعينيات، ولم أنتبه إلى أن المسؤول عن الأرجوحة كان يدعو أصدقاءه ممن هم في سنه وأكبر وأصغر، ليتحلقوا حول الأرجوحة، وينظرون لأعلى، وتحديدا وتركيزا على الفستان حين أطير، وتتوجه كل العيون المحملقة الجائعة إلى ما تحت فستاني الصغير.
كنت أرى اللهفة والاستعداد حين أقبل من بعيد، وأن الفتى المسؤول عن الأرجوحة أصبح يطيل لي المدة المقررة، والتي كانت تنتهي سريعا مقابل قروشي القليلة، ولكنني لم أفكر بالسبب، وربما فكرت للحظة وعزوت ذلك لقلة المرتادين، خاصة أن كل جيراننا من الطبقة الفقيرة، وكنا نحن العائلة الثرية في المنطقة……..
وكنت أطير مع أحلامي، وفي كل مرة أطير أجد عالما جديدا يرسمه خيالي، حتى كان اليوم الذي سمعت كلمة نابية، وأنا أطير…….
سمعت من يصف فخذيّ المكتنزين في وصف قبيح بذيء، وفي تلذذ لا يخلو من نهم، صحت وأنا أحلق عاليا بالمسؤول عن الأرجوحة أن يوقفها..الدموع اندفعت لتغرق وجهي. وأحتقن أكثر وأكثر بحمرة الغضب والخجل، وكل المُسميات التي يمكن أن تطلق على موقفي عدا السعادة التي كنت أشعرها وأنا أحلق.
وجدت الجمع الغفير من أبناء الحي المتحلق والمفتوح العيون أسفل قدمي حين نزلت عن الأرجوحة….
شعرت كم أنا غبية.. وكم كنت عرضا مثيراً ومغرياً، وأنا منطلقة ببراءة نحو أحلامي وسعادتي الوهمية. أطلقت سبابا خافتا مخنوقا بالدموع، وهرعت للبيت وبكيت كما لم أبكِ.
ومن يومها لم أعد للأرجوحة المصيدة.