أثار إعلان مليشيا "بدر"، أحد أبرز فصائل "الحشد الشعبي" في العراق، الأربعاء الماضي، عن توزيع قطع أرض سكنية لعناصرها داخل كركوك، خلال مهرجان أقامته وسط المدينة، مخاوف كبيرة لدى أطراف سياسية وشعبية، اعتبرت أن هذا الأمر يعزز من عمليات التغيير الديموغرافي في البلاد، خصوصاً بعد كشف عدد من النواب عن خطوات مماثلة للحكومة في نينوى والأنبار وصلاح الدين وحزام بغداد الجنوبي والغربي وجانب الكرخ من بغداد، عبر منح عوائل قتلى "الحشد" وعناصره الذين يواصلون القتال قطع أرض سكنية، رغم أن القانون العراقي يشير إلى أن منح الأرض السكنية يكون بحسب مسقط رأس المستفيد منها وليس اختيارياً.
وباشرت السلطات العراقية بمنح عوائل قتلى "الحشد الشعبي" أو الذين أصيبوا بإعاقات دائمة مكرمة، عبارة عن قطعة أرض سكنية لكل منهم، لكنها لم تخصص هذه الأراضي لجزء كبير منهم في مدينته أو محافظته في جنوب ووسط العراق، بل في المحافظات والمدن الشمالية والغربية التي تم تحريرها من سيطرة تنظيم "داعش"، بعد معارك طاحنة استمرت لأكثر من ثلاث سنوات.
وقال مسؤول مليشيا "بدر" في كركوك، محمد مهدي البياتي، خلال حفل توزيع سندات قطع الأراضي السكنية، إن "كركوك لا تدار من قبل قومية أو طائفة أو شخص دكتاتوري بل تكوّن إدارة المحافظة من كافة القوميات والمذاهب"، وفقاً لما نقلته وكالات أنباء عراقية محلية، أشارت إلى أنه تم توزيع سندات تملك رسمية على أهالي قتلى "الحشد الشعبي" والمصابين بإعاقات جراء المعارك مع "داعش". وكانت بغداد فرضت سيطرتها بشكل كامل على مدينة كركوك بعد طرد القوات الكردية منها، منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2017. وأثار الاستفتاء الذي أجراه إقليم كردستان للانفصال عن العراق واحدة من أعنف الأزمات السياسية في البلاد، وتسبب بتحرك الجيش العراقي للسيطرة على المناطق المتنازع عليها، والتي فرضت البشمركة الكردية سيطرتها عليها بعد اجتياح "داعش" للعراق في العام 2014.
وقال مسؤول في الحكومة العراقية، لـ"العربي الجديد"، إن "توزيع قطع الأراضي على أعضاء الحشد الشعبي، وكذلك على أفراد ومنتسبي الجيش، يتم وفق برنامج وافقت عليه الحكومة، إذ يتم رفع أسماء المستحقين من قبل هيئة الحشد الشعبي أو وزارة الدفاع، فيما يحيل رئيس الوزراء الطلب إلى وزارة البلديات لتنفيذ القرار، وتسليمهم قطع أراضٍ لا تزيد مساحتها عن 250 متراً مربعاً". وأضاف أن "المناطق التي وزعت بها وزارة البلديات قطع الأراضي تقع في صلاح الدين ونينوى وكركوك وحزام بغداد وجانب الكرخ من بغداد أيضاً، فضلاً عن مناطق قرب الكرمة والنخيب التابعة للأنبار". وخصصت وزارة البلديات العراقية أخيراً قطع أرض سكنية في منطقة تابعة لمدينة أبو غريب، بحسب مسؤول محلي في المدينة، قال إنها لأفراد من "حزب الله" العراقي، فيما أكد عضو مجلس بلدي في مدينة سامراء تخصيص خمسة دونمات من الأراضي الزراعية المملوكة للدولة عند مدخل سامراء الجنوبي لذوي مقاتلين من فصائل مختلفة في مليشيا "الحشد الشعبي"، فضلاً عن أهالي ضباط من الشرطة الاتحادية قتلوا خلال المعارك السابقة مع تنظيم "داعش"، رغم أن مكان سكنهم هو في مناطق أخرى، مثل بلد والحلة والكوت. وبحسب المصدر نفسه فإن "مثل تلك الخطوات تثير مخاوف حول سبب عدم منحهم، أو تكريمهم بالأحرى، تلك الأراضي في مناطقهم ومنحها لهم في مناطق ذات مكون طائفي أو ديني معين".
وكشف النائب العراقي عن المكون المسيحي، جوزيف صليوة، لـ"العربي الجديد"، عما وصفه بالمساعي الخطيرة لتغيير ديموغرافي في مناطق المسيحيين والكلدان والآشوريين والسريان في سهل نينوى. وأضاف "مع الأسف، نعم هناك مساعٍ لتغيير ديموغرافي في هذه المناطق، حيث يتم الآن توزيع قطع أرض على المسلحين من الشبك الشيعة داخل مناطق المسيحيين، ولا يعطونهم داخل مناطقهم المجاورة لنا، بل تترك مناطقهم التي يفترض أن يمنحوا فيها هذه المكرمة، وبالتالي فإنهم يحتفظون بأراضيهم، بالإضافة إلى استحواذهم على أراضي غيرهم". وبين أن "الخطير بالموضوع أنه مؤطر من خلال القانون، ويتم استغلاله أبشع الاستغلال، ومن يقوم بذلك لا يختلف عن داعش، بل هم أسوأ، عندما يحملون هذه المخططات باتجاه باقي المكونات الأخرى". وتابع "من دون أدنى شك سيكون لنا كلام بهذا المشروع الخبيث في نينوى تحديداً، للحفاظ على مناطقنا التاريخية من التغيير الديموغرافي".
من جانبه، قال النائب العراقي، محمد نوري العبد ربه، لـ"العربي الجديد"، إن "ابن البصرة يجب أن يمنح أرضا سكنية في البصرة، وابن نينوى يجب أن يمنح الأرض في نينوى، وهكذا للأنبار وبغداد وباقي المناطق، كما نص عليه القانون، واعتقد أنه من الأولى أن يحصل الشخص على أرض في منطقته أو مدينته، لا في مكان آخر من العراق، وأن تكون لكل من قاتل داعش وكل من قتله داعش، من بينهم المدنيون أيضاً". وأضاف "لا أتمنى أن يكون هناك نية سوء أو مخطط وراء ذلك، لكن الأمور تتجه لتفسير ذلك على أنه مشروع تغيير ديموغرافي".