أطلق أدونيس دعوةً لتأسيس "جبهة علمانية تعيد قراءة الموروث"، خلال محاضرة ألقاها على هامش "معرض القاهرة الدولي للكتاب". حديث أدونيس ودعوته الأخيرة تمثّل من جهة تواصلاً لخطّه الفكريّ، لكنها تلتقي أيضاً، من جهة أخرى، مع دعوة الرئيس المصري، في وقت قريب سابق، لتجديد الخطاب الديني.
كان مشروع أدونيس "الثابت والمتحوّل"، هو الآخر، دعوة لإعادة قراءة الموروث العربي الإسلامي. وقتها، وفي سياق ما بعد النكسة، كانت موضة المثقفين هي البحث في أسباب الهزيمة، ومعظمهم وصلوا إلى النتيجة نفسها، وهي وجوب التخلّص من أعباء الماضي.
بعد النكسة أو بعد الثورة، وكأن شيئاً لم يغيّره الزمن، فأدونيس يطرح الأفكار نفسها تقريباً. إذ يبدو لنا أن الشاعر السوري نقل تصوّرات حلول سابقة، وجاء إلى القاهرة فأسقطها على مشاكل راهنة، ولم يحتج في محاضرته هذه إلا إلى استعمال مصطلحات مستحدثة.
في معرض حديثه عن واقع الثقافة العربية الآن، اعتبر بأنها "تعيدنا إلى أجواء القرون الوسطى"، ليخلص إلى أن الإرهاب الحالي "ليس سوى تنويع على إيقاع إرهاب قديم عنيف ودامٍ في التاريخ الإسلامي". كما اعتبر بأن "الدولة الإسلامية قامت على العنف والدماء وإقصاء الآخر"، وهو حديث لا يمكن غضّ النظر عن أنه جاء على مقاس انتظارات معيّنة.
بعد ذلك، يسترسل أدونيس، كعادته، في تقديم أفكار قاسية، وعلى قدر من التعميم، عن الثقافة العربية التي "لا تعلّم سوى الرياء والنفاق والكذب". ويرى بأن "الرقابة هي جزء عضوي في الثقافة العربية، ليس فقط من أهل السلطة، وإنما توجد الرقابة الاجتماعية والسياسية".
يلخّص أدونيس، في نهاية محاضرته، مقترحاته في أربع نقاط. أوّلاً، إحداث قطيعة مع القراءة السائدة للدين. ثانياً، يجب إنشاء جبهة مدنية علمانية تعمل على نقد الموروث والتأسيس لقيم جديدة. ثالثاً، تحرير الثقافة العربية من المثقف الوظيفي. رابعاً، الديمقراطية ضرورية.
إن "تجديد تأويل الدين وإحداث قطيعة مع القراءة السائدة له"، حديثٌ يُطرِب اليوم شقاً من نُخَب العرب، وخاصة أنه يَظهر في هيئة حلٍّ جاهز لمشاكل الأمة، غير أنه حديث تكرّر بحيث لم يعد أحد يشتم منه رائحة الفاعلية. رغم ذلك، ينال أدونيس التصفيق، لسبب غير مقترحاته، بل لأن كلامه، هذه المرة، يجاري خطاباً تتبناه الدولة المصرية، مستضيفته.
لا يجد أدونيس، على حد تعبيره، "بين مليار ونصف المليار نسمة (من المسلمين) مفكراً واحداً يمكن أن يضعه إلى جانب مفكري الغرب الكبار، وإنما هناك فقهاء ليست لديهم ابتكارات بل يقلّدون القدماء". كلام يعبّر عن إعلان فشل جيل في تقديم إضافة.
وكمجمل أعماله، يظلّ أفضل ما في أدونيس هو أسئلته، وأسوأ ما فيها إجاباته، كقوله: "ما هو المشروع العربي اليوم للوقوف في وجه التطرّف الديني؟"، وهو تساؤل راهن وحيّ، قبل أن يردّ على نفسه "ليس لدينا أي مشروع". ولكن ما هو دور المثقفين سوى طرح مشاريع؟