أدب الطفل العربي: أسئلة عن مستقبل يجري نسيانه

26 ابريل 2017
(سماهر سلامة في عرض الأطفال "فوزي موزي وتوتي"، 2017)
+ الخط -

الحديث عن الطفل هو الحديث عن نصف الحاضر وكل المستقبل؛ ذلك أنّ الكتابة للطفل تلمس عصب دولة المستقبل. كثيرون أولئك الذين لا يأبهون لتصفح مجلة للأطفال أو قراءة مقال في مجلة ثقافية اجتهد كاتبه ليضيء جوانب في ثقافة الطفل. لكنهم كثيرون أيضاً أولئك الذين يشاركون الطفل - بل يضيقون عليه الخناق - في الفرجة على أفلام الكرتون. إذ لا يمكن في محصلة التحليل النفسي فصل عالم الطفل عن عالم الكبار بضربة لازب.

دنيا الطفولة مرآة شديدة الشفافية لتوجهات تربية الناشئة وفضح مستقبل الأمة. وحين نعرف أن "الصبيان"، وهي أول مجلة للأطفال في السودان صدرت عام 1947 - وهو وقت مبكر جداً قياساً بحركة المطبعة في العالمين العربي والأفريقي آنذاك - فإن المرء ليحار إذ يقف على حال ثقافة الطفل اليوم في نفس البلد.

ومثل السودان أمم كثيرة تحرّكت عجلة نموّها السياسي والاقتصادي في الاتجاه المعاكس لدورة التاريخ، وبذا أصاب التدهور المعرفي والتربوي ثقافة الطفل في مقتل.

في عدد مايو/ أيار 1978 من مجلة "الثقافة السودانية"، قدّم عبد التواب يوسف عرضاً شيّقاً لكتاب "بيبلوغرافيا أدب الأطفال في السودان" الذي قامت بجمعه حكمت نديم ونشرته مصلحة الثقافة السودانية آنذاك. كتب مقدمة البيبلوغرافيا الشاعر الراحل، محمد عبدالحي، وهو باحث وأستاذ جامعي معروف. الجديد في مقالة يوسف أنها أضافت إسقاطات هامة وعلمية عن ضرورة حركة التخطيط لاتساع دائرة أدب الطفل والاهتمام بالترجمة كنافذة أخرى يطل منها الأطفال على ما تقدّمه دور النشر خارج حدود بلادهم.

يقول عبد الحي في تقديمه للكتاب: "لكتب الأطفال أهمية اجتماعية خاصة، فهي المرآة التي تنعكس فيها محاولات المجتمع لأن يفرض تراثه وقيمه الأخلاقية على أطفاله. فأدب الأطفال في أطواره التاريخية في مجتمع ما، هو إحدى الوسائل التي تستجلى بها أفكاره وعلاقاته المتشابكة، وما هو محرم فيها ومستساغ".

صحيح إنّنا نعيش عصراً جديداً مما يحتّم إعداد أطفالنا لمواجهة متطلبات هذا العصر الجديد. وكاتب هذه السطور - وقد زار بعض معارض الكتب في العالم العربي وخارجه - يشعر أن من واجبه التنويه بأن الكم الذي تطرحه دور النشر العربية في هذه الأسواق لا يرقى للقفزة الهائلة في البنية التحتية لدور التعليم في بعض بلاد العالم العربي، دعك عن الكيف الذي يبدو هزيلاً وشاحباً في كثير من مطبوعات الطفل، سواء كان ذلك في مجلة أو عبر كتب قصص الطفل.

عام 1980، شاركت نيجيريا في معرض الكتاب في فرانكفورت الألمانية وهو أكبر معرض كتاب في العالم. وكان المعرض تلك السنة مركزاً على أدب وثقافة أفريقيا. أتيحت لي فرصة حضور تلك التظاهرة الثقافية، لأرى كيف أن نيجيريا شاركت بجناح كامل لمنشورات ثقافة الطفل مستفيدة من تجارب من سبقوها في حركة النشر خارج الحدود. وفي اعتقادي أن ازدهار حركة النشر في نيجيريا، وحيازة ذلك البلد لقصب السبق في الرواية والمسرح بين منظومة البلدان الأفريقية الآنغلوفونية ساعد على تقديم منتج هائل في إطار كتاب الطفل.

وحتى لا نبخس الناس أشياءهم، فإن هناك إشراقات في هذا المجال في العالمين: العربي والأفريقي، لكنها لا ترقى للإمكانات التنموية الهائلة - خصوصاً في دول الخليج - والتي يجب أن تنال فيها ثقافة الطفل حظّها الوافر، لبناء مجتمع أكثر إدراكاً لمتطلبات عصره القادم.


* شاعر ومسرحي سوداني مقيم في لندن

دلالات
المساهمون