أخي سميح

21 اغسطس 2014
حنا أبو حنا (الصورة: احتفالية فلسطين للأدب)
+ الخط -

أخي سميح،

ما كنت أحسب أني سأرثيك وأقول مع أحمد شوقي في رثاء الشاعر حافظ إبراهيم:
"قد كنت أوثر أن تقول رثائي     يا منصف الموتى من الأحياء"
يا من شمختَ سنديانةً رائعةً وملأت الفضاء أنغاماً تحتضن الحبّ والإباء والتحدي!

أخي، هل تسمح – وأنت السميح - أن أعود بالذاكرة إلى شيء من الماضي، إلى الحديقة التي نبتت دوحتك فيها.

أخي، أنت تعلم أن لنكبة شعبنا أبعاداً شتّى، فقد شُرِّد الأدباء والشعراء في العاصفة ثم انقطعت الصلة مع العالم العربي وبقينا أيتاماً. ولم يبقَ هنا سوى عدد من الأدباء والشعراء لا يتجاوز عدد أصابع اليدين وهم في مطالع العشرينيات.

وكان الحكم العسكري الذي يكمّم الأفواه ويخنق المعلمين والتعليم ويشنّ هجمة "ثقافية" شعواء عبر دور النشر والصّحف والمجلات وصحف الأطفال! بل إن "بن غوريون" ناقش مع طاقم خاصّ أمر إلغاء تعليم العربية والتعامل معها في المدارس العربية!

لم يكن بدّ من التحدّي والتصدّي دفاعاً عن ثقافتنا بل السعي إلى ازدهارها.

كان أحد الشعارات في الاجتماع الذي عقد في حيفا سنة 1951 لإصدار مجلة "الجديد" أن نرعى أجيالاً جديدة من الأدباء والشعراء تتصدّى للحملـة وترعى أنفاس الكرامة والإباء والتحدّي. كان احتضان المواهب الواعدة أمراً رعته المهرجانات الشعرية والندوات الأدبية وغَيرة عدد من المعلمين المخلصين.

كان توفيق زيّاد ومحمود درويش وسميح القاسم وراشد حسين وشفيق حبيب وعيسى لوباني وآخرون. وأنت تعرف هذا الاحتضان. وقد امتاز هؤلاء الشعراء بالروح النضالية والصمود والريادة في مجال الشعر، وخلّفوا تراثاً رائعاً لحدائق الشعر العالمي.

وكم يحزنني اليوم أن أراجع أسماء من فارقونا بعد أن حلّقوا في سماء الإبداع وغرسوا في هذه الأرض رياض الكرامة والتحدي.

مرّة أخرى – عليك السلام يا طيف سميح الذي لحق بحبيبه محمود وبالإخوة الأباة الخالدين.


* شاعر من فلسطين، اعتبره شعراء المقاومة أستاذاً لهم. 

دلالات
المساهمون