أخوات وجدي معوّض الوحيدات

14 يونيو 2015
مشهد من المسرحية (تصوير: باسكال غيلي)
+ الخط -

بعد أن قدّم مسرحيات ملحمية وتراجيدية، يتوجّه المخرج اللبناني الكندي، وجدي معوّض، إلى تفاصيل الحياة اليومية على حد تعبيره، لينجز ثلاثيته المنزلية "الأخوة"، "الأخوات"، "الأم والأب". بدأت القصة عندما سافر معوض إلى بيروت ليزور أخته ووالدهما، فقرر أن يقدّم مونودراما مسرحية مستوحاة من حياة شقيقته.

"الأخوات" مستوحاة أيضاً من حياة ممثلة العرض، آنيك بيرغرون، والتي هي، كما هو حال الأخت، مجبرة على تحمّل تسلّط أبيها، لياندر بيرغرون، والذي وضع قاموساً للغة إقليم كيبيك في كندا.

تتقدّم الممثلة خشبة المسرح وتؤدّي أغنية فرنسية بحماسة، يصحبها تسجيل لأصوات تصفيق الجمهور، وتتخلّلها أصوات مزعجة لسيارات وشاحنات، لنكتشف أن الأغنية مسجّلة، بينما تقوم الشخصية بالاستماع إليها والغناء معها كأنها من تقوم فعلاً بأدائها، بينما هي في الحقيقة تقود سيارتها متجهة إلى مدينة أوتاوا.

هذه الأغنية هي بداية العوالم المتداخلة في مسرحية "الأخوات" والتي عرضت على مسرح "شاوبونه" في برلين ضمن فعاليات "المهرجان الدولي للدراما الجديدة" مؤخراً. تقوم الممثلة الكندية بتأدية شخصية المحامية، التي تحمل اسمها، وبأداء جميع شخصيات المسرحية التي تتجاوز الساعتين.

تُنهي بيرغرون محاضرتها عن النزاعات السياسية، ثم تدخل إلى غرفة فندق مجهزة بأحدث الخدمات التكنولوجية، حيث أثاث الغرفة مبرمج على الكلام مع النزيل فيها بلغات وأصوات مختلفة. وعلى النزيلة الوحيدة تبادل أطراف الحديث مع كل هذه الأشياء.

فجأة، توجّه الثلاجة الحديث إلى المحامية، فتنطق بأسعار المعلّبات والطعام المتوفرة داخلها، بينما يصرّ الصوت الآلي الإنجليزي على تحريف اسمها ليجعله (برغر أون) فيبدو اسمها شبيهاً باسم شطيرة البرغر.

تضبط المحامية المنبّه بعد أن تختار صوت رجل وهي في فراشها، فيقول لها: تصبحين على خير! تتردد وتتلفت ثم تجيب المنبه بصوت حزين: تصبح على خير! تدخل الشخصية في حالات هستيرية وتدخل في مونولوغ تتضح فيه مشاكل الهوية التي تطوّقها، بدءاً من حياة أهلها اللبنانيين في كندا، ورغبتهم في السيطرة على امرأة في الخمسين، مروراً بمحاضراتها حول تسوية النزاعات السياسية، وانتهاء بتداخل اللغات الفرنسية والإنجليزية والإلكترونية.

من النزاعات السياسية تدخل بيرغرون إلى سلسلة من النزاعات النفسية، وتقوم المرأة - التي تسعى إلى السلام العالمي - بتحطيم غرفة الفندق تماماً، ثم تدفن نفسها تحت الفراش.

تدخل كل من عاملة الفندق ومديرته ومندوبة شركة التأمين للتحقق مما حلّ بالغرفة (تقوم الممثلة أنيك بيرغرون بتأدية الأدوار النسائية كلها بالاستعانة بشاشة)، وتخرج العاملة والمديرة بينما تبقى المندوبة لتفحص الأضرار. المندوبة هي الأخرى لبنانية الأصل، ولكنها وصلت مؤخراً إلى كندا ولديها مشاكل الهوية وتسلّط أهلها واعتمادهم عليها أيضاً.

التفاصيل اليومية التي يبحث فيها معوّض هي العناصر الرئيسية التي تدفع الشخصية إلى الجنون، في عمل تتجاوز فيه العلاقة مع اللغة الوظيفة الإخبارية أو التعبيرية، مقدماً نماذج إنسانية ضائعة بهويتها وطموحاتها وذاكرتها عبر شخصية مندوبة شركة تأمين تعيش حياة أبعد ما تكون عن الأمان، وشخصية محامية تدرّبت في بلاد العزلة والمشاكل النفسية على مساعدة بلاد الحروب.

يساجل المفكر الفرنسي، جان بودريار، أن الإنسان هو من تحجّر أمام العوالم المتسعة والتي تزداد اتساعاً مع تقدّم التكنولوجيا وعلم النفس والسفر. العالم ليس قرية صغيرة، يقول بودريار، بل الإنسان هو الذي تراجع مختفياً في ذاكرة طفولته، أو وراء شاشة الكومبيوتر، أو في قريته الصغيرة، أو داخل السرير، كما هو الحال في هذه المسرحية.

دلالات
المساهمون