13 نوفمبر 2024
أخلاقيات الصهيونية
رأت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، في أحد مقالاتها الافتتاحية، مطلع الأسبوع الجاري، أن قرار المحكمة العليا في دولة الاحتلال، أخيرًا، بشأن عدم جواز احتجاز الحكومة جثامين شبان فلسطينيين استشهدوا في أثناء تنفيذ عمليات مقاومة، ورقة مساومة للدفع بصفقة تبادل أسرى، "يثير الحنق" كونه "يتشبث بالجانب القانوني الجافّ"، ويقول إن احتجاز تلك الجثامين غير مُمكن بسبب عدم توفر نصّ قانوني يتيح ذلك فقط، و"ليس لأن هذا الاحتجاز هو تصرف غير أخلاقي". وأكدت الصحيفة أن قضاة تلك المحكمة "يدركون جيدًا أن الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تتورّع عن تشريع أي قانون غير أخلاقي، من خلال التذرّع بوجود مخاطر أمنية مُحدقة بالدولة، بعضها حقيقيّ، وبعضها الآخر وهميّ".
والحقيقة أن عدم التورّع عن تشريع قوانين غير أخلاقية أمر لا تتسّم به الحكومة الإسرائيلية الحالية، على الرغم من صحة وصفها أنها الأكثر يمينية وتوحشًّا في تاريخ حكومات دولة الاحتلال. بل إنه سلوك أرعن ينسحب على جميع الحكومات التي سبقتها، باعتبارها وريث الحركة الصهيونية وعقيدتها، التي كانت غايتها مُحدّدة، ولا تزال، في "احتلال الأرض"، كما تثبت وقائع كثيرة يومياً، بما قد يعفينا من عناء استحضار الأدلّة.
ولم يكن "احتلال الأرض" شعارًا لصهيونية يمينية فقط، تتحكم ذريتها بمقاليد الأمور في إسرائيل الآن، إنما أيضًا كان شعارًا لـ"صهيونية يسارية تدّعي أنها معتدلة". ووفقًا لأبحاث كثيرة، كانت أهمية هذه الصهيونية اليسارية، من نواح ومعان مختلفة، تفوق كثيرًا أهمية الصهيونية العمومية واليمينية، كونها وفرت درعًا أيديولوجياً مُخاتلًا بطرحها الصهيونية "حركة اشتراكية تتبنّى المساواة، وتتطلع بشدة إلى التعاون والسلام مع السكان العرب".
وكما أشير في بعض تلك الأبحاث، فالصهيونية اليسارية المُمثلة بالذات في حركة "هشومير هتسعير"، هي التي اقترحت إقامة دولة ثنائية القومية، كما أن تيارًا صهيونيًا يساريًا، وإن كان ضئيلًا ("بريت شالوم- ميثاق السلام") اقترح تقييد الهجرة اليهودية إلى فلسطين، من خلال التوصل إلى اتفاق مع الشعب العربي الفلسطيني. لكن لا بُدّ من أن نذكر أن "هشومير هتسعير" في فترة الانتداب البريطاني كانت تؤيد دولة ثنائية القومية، بشرط إجراء ثلاثة تعديلات: أن لا تقوم الدولة ثنائية القومية سوى بعد أن يتحقق وجود أغلبية يهودية في البلد. أن تستمر سلطة الانتداب البريطانية عشرين سنة أخرى. في حال عدم موافقة الفلسطينيين على ذلك أن تكون الدول العظمى مُخوّلة أن تفرض عليهم ذلك بالقوة.
أما أعضاء جماعة "ميثاق السلام"، فقد اقترحوا المساواة في السلطة تحت الانتداب البريطاني، حين كان اليهود يشكلون نحو 12% من سكان البلد. كذلك وافقوا على تقييد الهجرة اليهودية، لكن ليس قبل أن يتساوى عدد اليهود والعرب في فلسطين الانتدابية. ومع ذلك، تعرّض أعضاء هذه الجماعة، بسبب مثل هذه المطالب، التي بطبيعة الحال لم يكن في وسع العرب قبولها، إلى الإدانة والشجب من سائر مُكوّنات الحركة الصهيونية، بما في ذلك من "هشومير هتسعير"، واتهموا بخيانة الصهيونية، علمًا أنهم كانوا أقلية هزيلة جداً في صفوف الجمهور اليهودي.
غير أن الدور المهم للصهيونية اليسارية تمثل في الأساس في إقناع الجزء التقدمي (الليبرالي) الاشتراكي في صفوف الجمهور اليهودي أن الصهيونية هي أيديولوجيا عادلة، وأن إسرائيل محاطة بأعداء غير مستعدين للاعتراف بذلك. وهذا الإقناع نجح إلى حدّ كبير. والدليل هو مسارعة كثيرين من المنتمين لهذا الجزء إلى إشهار صهيونيتهم، والسجال بأنها مغايرة لصهيونية خصومهم من اليمين، مثلما توقف صاحب هذه المقالة بقدر من التفصيل في "العربي الجديد" (خلاف تكتيكي، 6 /12 /2017) لدى تشريح جوهر الخطاب السياسي الذي يتبناه حزب ميرتس الضئيل. بل إن بعض هؤلاء يعتبر الصهيونية بمثابة حلم لم يفت الأوان بعد للتربية عليه، وهو الحلم نفسه الذي قال عنه وليام ب. ييتس، قبل أكثر من قرن، في ظرفٍ مشابه عاشته إيرلندا: "لقد ربينا قلوبنا على الأحلام/ فأصبحت قلوبنا متوحشّة أمام الإنصاف".
والحقيقة أن عدم التورّع عن تشريع قوانين غير أخلاقية أمر لا تتسّم به الحكومة الإسرائيلية الحالية، على الرغم من صحة وصفها أنها الأكثر يمينية وتوحشًّا في تاريخ حكومات دولة الاحتلال. بل إنه سلوك أرعن ينسحب على جميع الحكومات التي سبقتها، باعتبارها وريث الحركة الصهيونية وعقيدتها، التي كانت غايتها مُحدّدة، ولا تزال، في "احتلال الأرض"، كما تثبت وقائع كثيرة يومياً، بما قد يعفينا من عناء استحضار الأدلّة.
ولم يكن "احتلال الأرض" شعارًا لصهيونية يمينية فقط، تتحكم ذريتها بمقاليد الأمور في إسرائيل الآن، إنما أيضًا كان شعارًا لـ"صهيونية يسارية تدّعي أنها معتدلة". ووفقًا لأبحاث كثيرة، كانت أهمية هذه الصهيونية اليسارية، من نواح ومعان مختلفة، تفوق كثيرًا أهمية الصهيونية العمومية واليمينية، كونها وفرت درعًا أيديولوجياً مُخاتلًا بطرحها الصهيونية "حركة اشتراكية تتبنّى المساواة، وتتطلع بشدة إلى التعاون والسلام مع السكان العرب".
وكما أشير في بعض تلك الأبحاث، فالصهيونية اليسارية المُمثلة بالذات في حركة "هشومير هتسعير"، هي التي اقترحت إقامة دولة ثنائية القومية، كما أن تيارًا صهيونيًا يساريًا، وإن كان ضئيلًا ("بريت شالوم- ميثاق السلام") اقترح تقييد الهجرة اليهودية إلى فلسطين، من خلال التوصل إلى اتفاق مع الشعب العربي الفلسطيني. لكن لا بُدّ من أن نذكر أن "هشومير هتسعير" في فترة الانتداب البريطاني كانت تؤيد دولة ثنائية القومية، بشرط إجراء ثلاثة تعديلات: أن لا تقوم الدولة ثنائية القومية سوى بعد أن يتحقق وجود أغلبية يهودية في البلد. أن تستمر سلطة الانتداب البريطانية عشرين سنة أخرى. في حال عدم موافقة الفلسطينيين على ذلك أن تكون الدول العظمى مُخوّلة أن تفرض عليهم ذلك بالقوة.
أما أعضاء جماعة "ميثاق السلام"، فقد اقترحوا المساواة في السلطة تحت الانتداب البريطاني، حين كان اليهود يشكلون نحو 12% من سكان البلد. كذلك وافقوا على تقييد الهجرة اليهودية، لكن ليس قبل أن يتساوى عدد اليهود والعرب في فلسطين الانتدابية. ومع ذلك، تعرّض أعضاء هذه الجماعة، بسبب مثل هذه المطالب، التي بطبيعة الحال لم يكن في وسع العرب قبولها، إلى الإدانة والشجب من سائر مُكوّنات الحركة الصهيونية، بما في ذلك من "هشومير هتسعير"، واتهموا بخيانة الصهيونية، علمًا أنهم كانوا أقلية هزيلة جداً في صفوف الجمهور اليهودي.
غير أن الدور المهم للصهيونية اليسارية تمثل في الأساس في إقناع الجزء التقدمي (الليبرالي) الاشتراكي في صفوف الجمهور اليهودي أن الصهيونية هي أيديولوجيا عادلة، وأن إسرائيل محاطة بأعداء غير مستعدين للاعتراف بذلك. وهذا الإقناع نجح إلى حدّ كبير. والدليل هو مسارعة كثيرين من المنتمين لهذا الجزء إلى إشهار صهيونيتهم، والسجال بأنها مغايرة لصهيونية خصومهم من اليمين، مثلما توقف صاحب هذه المقالة بقدر من التفصيل في "العربي الجديد" (خلاف تكتيكي، 6 /12 /2017) لدى تشريح جوهر الخطاب السياسي الذي يتبناه حزب ميرتس الضئيل. بل إن بعض هؤلاء يعتبر الصهيونية بمثابة حلم لم يفت الأوان بعد للتربية عليه، وهو الحلم نفسه الذي قال عنه وليام ب. ييتس، قبل أكثر من قرن، في ظرفٍ مشابه عاشته إيرلندا: "لقد ربينا قلوبنا على الأحلام/ فأصبحت قلوبنا متوحشّة أمام الإنصاف".