يتجوّل سيدي ولد الباه ورفيقه الشيخ سعد بوه ولد العالم في حي كمرا أنغاني، أحد أقدم الأحياء في الجزء الشمالي من مدينة ولاتة التاريخية الواقعة في أقصى شرق موريتانيا، وهما يتجاذبان أطراف الحديث. إلا أن الأهمية التاريخية للحي التي اكتسبها مع تأسيس المدينة في القرن الخامس الهجري، لا تدخل ضمن الحديث العابر بين صديقين ولدا وترعرعا بين أزقة ولاتة وألفا كل تلك المظاهر التاريخية التي ما زالت تقاوم الزمن على الرغم من غياب الرعاية والاهتمام الرسمي بها.
يواصل الشابان عبورهما الحي في اتجاه أحياء أخرى من المدينة التاريخية التي لا تُعَدّ وحيدة في البلاد، للقاء الأصدقاء وزيارة الأقارب، قبل المتابعة إلى الجزء الشرقي منها حيث يقع السوق المركزي، وبعض المباني الإدارية، ومؤسسات التعليم الأساسي والثانوي، قبل أن يعودا إلى منزليهما في انتظار جولة جديد قد تكون في مساء اليوم نفسه.
يقول سيدي ولد الباه إنه يستمتع في التجول بين أحياء المدينة التاريخية ولقاء الأصدقاء والمعارف، غير أنه لم يفكر من قبل في الحالة التي وصلت إليها تلك الأحياء، ولم ينتبه لضرورة صيانتها ومنحها الرعاية اللازمة، لتعطي الصورة الحقيقية. يضيف لـ"العربي الجديد"، خلال نزوله من فوق إحدى التلال الحجرية الواقعة في حي كارفلة، أنّ أسماء أحياء المدينة تعود للهجة "الصنهاجية"، إذ أطلق سكان مملكة غانا قديماً مسميات ترتبط بثقافتهم على هذه الأحياء إبان تأسيس المدينة. كما ترتبط أسماء أخرى بثقافة سكان "الصونونكى"، الذين سكنوا بدورهم مملكة غانا، قبيل أن يهاجروا إلى ولاتة بعيد الحرب التي شهدتها المملكة حينها وأدت إلى اندثارها وتلاشي جزء كبير من ثقافتها وتاريخها العريق.
ويؤكّد ولد الباه أنّ المتأمل لحال أحياء مدينة ولاتة، يصيبه الحزن من جرّاء تجاهلها، وصمت الجهات المعنية بحماية التراث، علماً أنّ واقع هذه الأحياء في خطر، وأصبح في حاجة ماسة للحماية والصيانة والترميم، مطالباً الجهات المسؤولة بالتدخل وإعداد خطة محكمة لحماية تراث مدينة ولاتة، إحدى المدن التاريخية الأربع في موريتانيا.
من جهته، يعرب إسماعيل ولد أمحيمد، وهو أحد سكان المنطقة، عن خشيته من اندثار الأحياء القديمة في مدينة ولاتة، مؤكداً أنها "تمثل ذاكرة ووجدان أمة، ويجب أن تظل الأحياء القديمة في المدينة شاهداً حياً على الأهمية التاريخية والعظمة الثقافية لهذه الأرض التي احتضنت أضرحة العديد من العلماء والأولياء الصالحين والشعراء، وفيها مسجد قديم (المسجد العتيق) يشكل معلماً من المعالم التاريخية للمدينة". ويؤكد ولد أمحيمد لـ"العربي الجديد"، أن مدينة ولاتة تضم إلى جانب شوارعها وأحيائها القديمة ذات الوجه الثقافي التاريخي، مكتبة تحوي مئات المخطوطات والتحف الفنية التي تقدم للقارئ والباحث نبذة تاريخية كافية عن الحضارة الصحراوية التي قامت على هذه الأرض منذ عدة قرون.
ويطالب سكان مدينة ولاتة السلطات المحلية بتوفير العناية الكافية للآثار التاريخية، ومن أهمها الأحياء القديمة، والمكتبات، والأضرحة، والفن المعماري الذي ما زال يظهر في المدينة على الرغم من قسوة الزمن. ففي ولاتة العديد من المنازل التي بنيت وفق الأسلوب المعماري القديم، وتشتهر بالزخرفات الفنية التي عادة ما تأسر الزوار. وهذا يكشف مدى تعلّق السكان بتاريخ المدينة الثقافي القديم.
ويؤكّد عدد من سكان مدينة ولاتة (شرق موريتانيا)، على ضرورة حماية الآثار التاريخية في المدينة، ووضع استراتيجية للحفاظ على الأحياء الشعبية القديمة، كونها تعطي المدينة طابعها التاريخي القديم ذي الثقافة الأفريقية المتجذرة. يقولون لـ"العربي الجديد" إن حماية الأحياء القديمة في المدينة من المطالب الملحة، إذ إن ملامح المدينة القديمة ينبغي أن تظل قائمة لارتباطها بتاريخ ولاتة، الذي يعود إلى قرون عدة من الزمن، وقد وصلت أهميتها إلى أماكن كثيرة بسبب تاريخها القديم، وأضرحة عدد كبير من الأولياء الصالحين الذين استطاعوا بعلمهم وورعهم صنع مجد باقٍ لهذه المدينة التي أصبحت جزءاً من التاريخ الإنساني الحضاري.
وتحتضن ولاتة أحياء شعبية تاريخية عدة يمتد عمرها لمئات السنين، لكنها تعاني من الإهمال، وأصبح معظمها بحاجة إلى الترميم والحماية. إلا أنّ الجهات الحكومية المعنية بالأمر ما زالت تغض بصرها عن جزء من تاريخ المدينة التاريخية ذات الأهمية الكبيرة.