محاولات عديدة تقوم بها فرق المسرح المستقل في مصر، في ظل معاناتها ما بين بيروقراطية مسرح الدولة من جهة واستهلاكية المسرح الخاص من جهة أخرى. ومن هذه الفرق المستقلة فرقة "المعبد" التي أسسها الكاتب والمخرج المصري أحمد العطار في بداية التسعينيات، بعد أن أنهى دراسة الإخراج المسرحي في "الجامعة الأميركية" في القاهرة، وحاول من خلال فرقته أن يقدم مسرحاً يحاكي به الراهن المصري على مستوى الشكل والمضمون.
قدم العطار على مدار عشرين عاماً العديد من الأعمال مسرحية من بينها "كيف تموت" و"أوديب رئيساً" و"اللجنة" (من تأليفه وإخراجه)، وأخيراً قدم العام الماضي عرض "العشاء الأخير" الذي وضع من خلاله عدسة مكبرة على تصرف الطبقة البرجوازية في مصر في لحظات العنف السياسي والثقافي التاريخية، وكيف يمكنها أن تفصل نفسها عن أحداث الشارع وتنفرد بهمومها كأنها لا تنتمي للزمان والمكان الذي ينتمي إليه الآخرون.
عن تجربته مع المسرح المستقل في مصر، يقول العطّار في حديثه إلى "العربي الجديد" إن "المسرح المصري مُهمل منذ أواخر السبعينيات، الرسمي وكذلك الخاص على حد سواء، ورغم النجاح الجماهيري لبعض مسرحيات القطاع الخاص في الثمانينيات والتسعينيات، إلا أن حتى هذه الظاهرة غير الناجحة فنياً، لم تعد موجودة الآن".
وبخصوص مسرح الدولة، يرى مخرج "عُطيل" أو "من يخاف من ويليام شكسبير": "أن غياب مساحة حرية التعبير التي يحتاجها الفن بشكل عام، فضلاً عن خلل الآليات التي تستخدمها الإدارات الثقافية، هما أبرز أسباب تراجع دور مسرح الدولة، وبالتالي تحمّل المسرح المستقل عبء الدور الذي كان من المفترض أن تقوم به الدولة".
وعن محاصرة المؤسسات الثقافية المستقلة في مصر من قبل النظام في المرحلة الأخيرة، ومدى تأثير ذلك على حركة المسرح المستقل، يقول: "قد أتفهم موقف النظام المصري في نظرته المتحفظة إلى قضية "التمويل الأجنبي"، وخصوصاً في ظل الصراعات السياسية في المنطقة، ولكن كيف نتفهم ذلك عندما يتم منع نشاط فني أو ثقافي بدعوى تمويله من الخارج؟".
بالرغم من بلوغ فرقة "المعبد" مسارح العواصم العربية والأوروبية، إلا أنها ما زالت تعيش أزمات المسرح داخل مصر. يقول مخرج "ماما أنا عاوز أكسب المليون" في هذا الصدد:
"في 2004 تعاون معي "مهرجان برلين" في سياق إنتاج عمل مشترك، وكان علي أن أجري البروفات في مصر، ولعدم تمكني من توفير مسرح، أجريت البروفات في منزلي، منذ ذلك الوقت بدأت أفكر في معاناة شباب المسرح المستقل، فإذا كنت وبالرغم من حصولي على دعم مادي من المهرجان لم أجد مسرحاً واحداً في مصر أتمرن عليه وفرقتي، فماذا يفعل شباب المسرح المستقل الذين لا يجدون مثل هذه الفرصة؟".
ويضيف العطّار: "من هنا جاءت فكرة تأسيس "ستوديو عماد الدين" الذي أطلقته في 2005 ليكون بمثابة المساحة الحرة للفرق المسرحية الشابة، حيث يوفر لهم القاعات لإقامة البروفات وورش التدريب، ويسعى الأستوديو إلى تقوية فنون الأداء في مصر وتشجيع التعاون بين الفرق المسرحية المختلفة".
التغيرات السياسية التي تشهدها مصر والمنطقة العربية منذ أربع سنوات، كان لها تأثيرها الواضح على المستوى السياسي والاجتماعي، عن مدى تأثيرها على الحركة المسرحية العربية، يقول مخرج "اللعنة على داروين" أو "كيف تعلمت أن أحبّ الاشتراكية" إن "الدور الإيجابي لثورة 25 يناير أنها فتحت آفاقا جديدة للتعبير، كما أعادت المسرح إلى المساحات العامة في الشوارع، مثلما كان موجوداً في مصر من زمان، مثل "مسرح القهوة" و"مسرح القرية" حتى الستينيات".
إنما يستدرك العطّار "لكن الثورة حدث عاطفي وفكري بدرجة كبيرة، لذلك يجب عدم التسرع في تناول أحداث الثورة فنياً، لأن ليس كل عمل فني يتناول الثورة سيكون جيداّ بالضرورة، فإذا نظرنا إلى الواقع العربي الآن، سنجد أنه يعيش في صراعات يومية، لذلك يجب أن تكون نظرتنا أبعد من اللحظة العابرة. أتصور أن الفنان بحاجة إلى أن يترك مسافة قصيرة بينه وبين الصراعات السياسية، ليكون قادراً على إعادة تقييم الوضع وإيجاد حلول جديدة، على المستويين، الفردي والجماعي".
هذه المسافة القصيرة لا تعني عزلة الفنان عن محيطه الاجتماعي، يعقب العطّار: "علاقة الفن بالمجتمع في رأيي، أقوى من أن يتم إقحام الفن في السياسة بشكل مباشر، لأن الفن يعمل على تغيير الإنسان من الداخل. على سبيل المثال، كانت هناك حركة فنية في ألمانيا "باو هاوس"، وهي حركة انتقائية جداً، ولها تأثير كبير في فن التصميم المعاصر، إلا أنها أثرت أيضاً بشكل غير مباشر على مستوى الفكر الاجتماعي والثقافي في ألمانيا ومازال تأثيرها ملموساً حتى الآن".
كثيرا ما تُذكر تجربة العطّار المسرحية، في سياق ما يسمى بالمسرح الاجتماعي، إذ يختار العائلة كوحدة قياس يمسرح من خلالها التغيرات الاجتماعية والثقافية، يقول: "بالفعل أهتم في مسرحي بقضايا المجتمع، من خلال تناول منظومة الأسرة، وحاولت في "العشاء الأخير" أن أمزج القضايا الاجتماعية بحس عبثي، عندما تناولت اللامبالاة التي تعيشها عائلة برجوازية في مصر، في ظل ما يدور حولها من تغيرات".
وحول علاقة المسرح المعاصر بالأدوات التقنية الجديدة، يعتقد العطّار أن تطور الفنون الأدائية هو نتيجة طبيعية ومرتبطة بتطور الفنون البصرية والسمعية، يوضح: "علاقة الفن المعاصر بالمساحة الفنية هي علاقة أساسية، وبعد تطور وسائل انتشار الفنون البصرية والسمعية، بعد ظهور "اليوتيوب" وغيرها من الوسائل الحديثة، كان على المسرح أن يغير من شكله الإيطالي التقليدي، إلى ما يسمى الآن بـ"مسرح الغرفة"، وهو الشكل الذي تُبنى عليه المسارح الحديثة منذ حوالي ثلاثين عاماً".
من جهة أخرى، يلاحظ أن عدداً من المهرجانات الدولية التي تقام في مصر، تهتم باستضافة فنانين أوروبيين على حساب الفنانين العرب، مع غياب شبه كامل للحضور الأفريقي، في هذه السياق يقول مخرج "عن أهمية أن تكون عربياً" أن: "رغم أنني أرى أن الفنون لا تُقاس بجنسيتها، إلا أن هذا غالباً ما يحدث، وقد يعود ذلك بدرجة ما إلى غياب الدعم المادي، لأننا نستطيع أن نستضيف فرقاً أوروبية من خلال مراكزها الثقافية في مصر، وهذا ما لا تفعله كثير من البلدان العربية والأفريقية".
يذكر أن فرقة "المعبد" تشارك في مهرجان "أفينيون" الفرنسي في حزيران/ يوليو القادم، وبهذا ستكون ثاني فرقة مصرية في تاريخ المهرجان، ويعمل العطار حالياً على تجربة مسرحية جديدة، تتناول "الأم" في العائلة المصرية، بما يُمارس عليها من سلطة ذكورية، ومدى انعكاس ذلك على سلطتها على أبنائها.