توجد مقاربتان حول الحضور الأندلسي في تونس، تقول إحداهما إنه حضور أمدّ البلاد بعناصر نهضة جديدة، من خلال التقنيات المستخدمة في الأندلس ولم تكن قد وصلت شمال أفريقيا، فيما تقول الثانية بأنه كان أحد أسباب تدهور الدولة الحفصية في تونس، لأسباب ديمغرافية؛ حيث لم تحتمل موارد الدولة الكثافة السكانية الجديدة.
في محاضرة بعنوان "الحضور الأندلسي في تونس"، ألقاها أمس في "النادي الثقافي الطاهر الحدّاد" في تونس العاصمة، حاول المؤرّخ التونسي أحمد الحمروني أن يقدّم قراءة أكثر موضوعية حول هذا التجاذب، بمناسبة صدور مؤلّفه الجديد "المدوّنة الموريسكية التونسية".
لا يقول الحمروني بأية قراءة من القراءتين السابقتين، إذ يعتبر أن الحضور الأندلسي في تونس لم يكن عاملاً مباشراً في سقوط الدولة الحفصية، إذ تزامنت آخر موجات الموريسكيين نحو تونس مع مجيء الأتراك الذين أنهوا هذه الدولة. كما يرى أن حضور الأندلسيين ليس السبب الوحيد لتطوّر الحرف والزراعات في البلاد، معتبراً أن الإضافة الأندلسية كانت من خلال انتشار عاداتهم في المأكل والملبس والتقنيات الزراعية والحرفية.
تحدّث الحمروني أيضاً عن موجات الهجرات الموريسكية إلى تونس في القرنين الرابع والخامس عشر، معتبراً أن الموجة الأخيرة منها طغت على عملية التأريخ لبقية الموجات، وهو هنا يشبّه الأمر بما يحدث اليوم في البحر المتوسط من هجرات بشرية تنطلق من سورية أساساً.
من خلال هذا المثال، يتناول المؤرّخ التونسي سياسات الهجرة التي اعتمدها حاكم تونس، عثمان داي، آنذاك، حيث عمل على تقسيم الوافدين الأندلسيين عبر مناطق البلاد حسب مهنهم، فاستقر الحرفيون والتجّار في العاصمة والمدن الكبيرة، وتم توجيه الفلاحين نحو المناطق الزراعية.
يشير الحمروني، في هذا الصدد، إلى أن حضور الأندلسيين في تونس غيّر من الخارطة العمرانية؛ حيث أنهم أسّسوا مدناً وقرى جديدة وأحيوا أخرى.
يطل المؤرّخ التونسي في هذه المحاضرة على مؤلّفه الأخير، حيث يتقصّى المظاهر الموريسكية من خلال الدراسات، وخصوصاً من كتب الأخبار والرحلات. يشير إلى أن أهم مرجعَين اعتمدهما هما يوميات الإسباني فرانشيسكو خيمينيث ورحلة الفرنسي جان أندريه بيسوني، وهما اللذان حاولا البحث عن بقايا اللغة الإسبانية في تونس في القرن الثامن عشر، أي بعد استقرار الأندلسيين فيها بحوالي ثلاثة قرون.
يلاحظ الحمروني أن الإسبانية ولهجاتها كانت في تلك الفترة تضمحل شيئاً فشيئاً في تونس بحكم الاندماج في المجتمع التونسي وفي الحياة العامة، غير أنها ظلّت إلى وقت قريب لغة تخاطُب بين العائلات الأندلسية.
يشير الحمروني، أخيراً، إلى أن كتابه يقدّم المراجع الممكنة لتقصّي أثر الأندلسيين في تونس، ويحيل إلى مزيد من البحث، أو كما يقول في استعارة لمقولة ابن رشد: "هذا الكتاب نهاية للمقتصد وبداية للمجتهد".
اقرأ أيضاً: المعتمد بن عبّاد في غربته الأبدية