أحلم بميتة كوميديّة

21 فبراير 2016
أحلم بزيارة بلد أتنفس فيه هواء نظيفاً (Getty)
+ الخط -

بانتظار أن يحين دورنا، لم يكن من خيار أمامي سوى النظر إلى وجوه الجالسين في هذه القاعة الصغيرة، كل واحد على حدة. وعلى الرغم من أني لم أر إلا ظهورهم، كان ذلك كافياً لأشعر بالحماس. ألوان الشعر وقصاته كانت سبباً كافياً لأتمعنّ في الموجودين. يبدو أنها موضة الأحمر بتدرجاته الجميلة، بدءاً من اللون الباذنجاني لهذه السيدة الخمسينية، وليس انتهاء بهذا الزهري الفاقع.

دخلتُ وزوجي القاعة، وجلسنا على كرسيّين في الصف ما قبل الأخير. لم تكن قاعة مسرح أو صالة سينما بل صالة انتظار. وكنا ننتظر توقيع أحدهم على الحلم الأميركي. مرحباً بنا في السفارة الأميركية في عوكر. مرحباً بكل من حلم بالنوم تحت سماء صافية والاستيقاظ على الأمل والحرية. مرحباً بكل من أراد أن يقتل خوفه من موت مفاجئ في الشارع لأن أحداً على هذا الكوكب لم تعد تعجبه الحياة.

ثمة ما يجمع بين هؤلاء الجالسين في القاعة. المشكلة التي يعانوها هي أنهم يدفعون من دون أن يحصلوا على شيء في المقابل. ندفع ثمن مواطنيتنا عند الثامنة مساءً، حين نجلس أمام شاشات عصبياتنا المتناحرة وانتماءاتنا الممزقة وأحلامنا الغائبة ونملأ رؤوسنا حقداً. ندفع الثمن حين نموت على أبواب المستشفيات، ونعاني من أمراض خبيثة تتسلل يومياً إلى أجساد أطفالنا بسبب المياه والهواء واللحوم الفاسدة وملف النفايات الذي يمكن أن يضاف إلى كتاب التاريخ اللبناني.

هو الجنون حتماً. كل من في هذه القاعة يعاني من الجنون. خرج رجل وامرأته من غرفة المقابلة بوجهين باهتين. لم يحصلا على ورقة القبول على الأرجح. على مقربة مني، كانت تجلس امرأة جريئة تركت الشيب يغير لون شعرها الحقيقي. صدح صوت مساعد القنصل من خلف زجاج نافذته: رقم خمسة إلى الشباك رقم واحد. أن تحمل رقماً يعني أنك تريد اللجوء، وقد حملته عائلة سورية.

في هذه القاعة كلنا نحلم. ربما أحلم بزيارة بلد أتنفس فيه هواء نظيفاً واستمتع فيه بالتسوق وأكل الهمبرغر اللذيذ، فيما تحلم هذه العائلة بمحو صوت القنابل والبراميل المتفجرة والجوع. هم يحلمون بالخبز لا الهمبرغر، وأربعة جدران تقيهم ذلّ البشر قبل ذلّ الطبيعة.

نظرت إلى شاشة التلفزيون في آخر القاعة. كانت تبث مشاهد قتل جميلة. هو فيلم أميركي يتناول مطاردة وقتل بأسلوب كوميدي ساخر. تطلق امرأة ترتدي زياً كوميدياً النار على رجل يرتدي زياً غريباً بدوره. يقع الرجل على جنبه وقد مات. يضحك آخرون كانوا يرتدون أيضاً أزياء غريبة.

هل يكون هذا الفيلم مجرد صدفة؟

اقرأ أيضاً: هجرة اللبنانيّين