أحلامنا المهدورة

27 يوليو 2020

(بهرام حاجو)

+ الخط -

اجتاحت الأردن عاصفة إلكترونية هوجاء في الأسبوع المنصرم، على إثر الجريمة المروّعة التي ارتكبها مجرم قاتل، بدم بارد وضمير ميت وقلب أسود، بحق ابنته أحلام. وقد ملأ صوت استغاثتها اليائسة الأرجاء، فقطعت نياط القلوب. لم يحاول أحد من أفراد العائلة أو الجيران نجدة المغدروة، خشيةً من بطش المجرم السفاح. لذلك اكتفى أحدهم بتوثيق صوت للقتيلة، بعد أن تمكّنت من الهرب من البيت، مطعونة بالسكين في عنقها، راكضةً باتجاه حقها في الحياة، غير فاقدة الأمل في النجاة من ذلك العدوان القذر، غير أن القاتل تبعها، وهشّم رأسها عن سبق إصرار وترصّد وتصميم، بضرباتٍ وحشيةٍ متتالية، مستخدما طوبةً لم تفارق يديه، حتى لفظت أحلام أنفاسها الأخيرة، وهمدت في رقدةٍ أبدية على الرصيف. وقد أفاد أحد المسعفين، وهو تحت تأثير الصدمة، بأنه لم ير شيئا بهذه القسوة من قبل. شاهد ملامح الضحية مختفية، وكان الرأس مسحوقا وشبه مقطوع، جرّاء الضرب العنيف الذي أفضى إلى الموت. وتملك القاتل القبيح الرضى عن النفس، فشرب كوبا من الشاي، وأشعل سيجارتين بالقرب من جثة أحلام، المسلوبة حياتها ظلما وبهتانا، بانتظار قدوم الشرطة.
عبّر الناس الأسوياء ممن يملكون الضمائر الحية عن غضبٍ شديد، فدانوا وندّدوا بالفعلة الشنيعة، وطالبوا بتوقيع أشد العقوبات وأغلظها على القاتل، حتى إن نشطاء وناشطات من معارضي عقوبة الإعدام تخلوا عن معارضتهم هذه العقوبة الإشكالية، معترفين بأنها وسيلة رادعة للمجرمين من أمثال الأب القاتل، المطمئن إلى مرونة قانون العقوبات، حيث يعتبر إسقاط الحق الشخصي سببا لتخفيف العقوبة. وفي حالة المغدورة أحلام، الأم هي من تملك إسقاط الحق الشخصي، فيقضي المجرم، على إثر ذلك، في السجن بضع سنوات حكوميات "ويا دار ما دخلك شر"! وكنا قد فرحنا قبل بضع سنوات بتعديل المادة 340 من قانون العقوبات الأردني، واعتبرناه نصرا مبينا، حين تم إلغاء العذر المخفف عن مرتكبي جرائم القتل، المرتبطة بما يسمى قضايا الدفاع عن الشرف. وبموجب ذلك، أصبحت تعتبر جرائم كغيرها تستوجب العقوبة المنصوص عليها قانونا، الإعدام أو السجن المؤبد في أحسن تقدير. وبحسب إحصائيات رسمية، عدد ضحايا هذا النوع من الجرائم في الأردن بين 20 إلى 25 امرأة سنويا. 
أخذت الحكومة قرارا بمنع النشر في جريمة قتل أحلام، وتكتمت على الحيثيات حتى انتهاء مرحلة التحقيق، فانتشرت الشائعات وكثرت الأقاويل، على الرغم من أن لا أحد يستطيع الجزم بظروف الجريمة البشعة وملابساتها. وقد دافع ناسٌ كثيرون بينهم نساء محدودات التفكير، معدومات الحس الإنساني، عن الأب، بعد أن استنتجوا أن المغدروة لوثت شرف العائلة بالوحل. وبشكل ضمني، باركوا جريمة الأب، وانتشرت تعليقات صادمة صاعقة محرّضة مسيئة، اغتالت أحلام من جديد، ونالت من سمعتها وشرفها من دون وجه حق. قال أحدهم "جهنم وبئس المصير". وقالت ثانية "بتستاهل تسلم إيده الزلمه الحر الشريف". 
مشهد سوريالي محزن، لا تملك أمامه سوى صب اللعنات على تلك العقليات المتعفّنة القبيحة التي تعتبر المرأة ملكية خاصة، وتنظر إلى الأنوثة قنبلة عار قابلة للانفجار في أي لحظة. عقليات قاصرة جاحدة لا تنظر إلى أبعد من أنفها، وتختلق مبرّرا واهيا، القتل مرتبط بفعل فاحش ارتكبته الضحية، واستحقت عليه العقاب الآثم الذي لم تمنح أي شريعة سماوية لأحد من العائلة حق تنفيذها. وقد قيض لي في أثناء عملي في المحاماة الاطلاع على أسباب أخرى، تدفع آباء وإخوة إلى ارتكاب مثل هذه الجرائم، لعل أهمها تعرّض الضحية للاغتصاب، وأحيانا الحمل سفاحا من أحد المحارم، فيلجأ إلى التخلص من الضحية، وإسكاتها إلى الأبد، بذريعة الدفاع عن الشرف! وثمّة حالات متعلقة بالطمع في إرث الضحية الذي أحله الله لها. أيا كان الدافع لهذا الفعل الشائن، تظل الجريمة مرفوضة بالمطلق، ولا بد من العمل على توعية مجتمعاتنا الغارقة في ظلمات الجهل والغباء وضيق الأفق. وكذلك تمكين النساء على مختلف الصعد، وتأهليهن نفسيا وجسديا للتصدّي لأي عدوانٍ، يستهدف حياتهن المهدّدة تحت شتى الذرائع الكاذبة المشبوهة. 
الرحمة لروح أحلام، والموت للقاتل، والخزي والعار لكل من شدّ على يده الآثمة.

AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.