في وقت متأخر بعد ظهر يوم الثلاثاء، وفي اللحظة نفسها تقريباً، تلقّى الرئيس دونالد ترامب من القضاء، رسالتين صادمتين: المحكمة الفيدرالية في ضواحي واشنطن قضت بتجريم المدير الأول لحملته الانتخابية بول مانافورت في ثمانية اتهامات مالية، تتراوح عقوبتها بين 10 و80 سنة في السجن.
وفي الوقت نفسه، استمعت المحكمة في مدينة نيويورك، إلى اعترافات محاميه ومساعده القديم مايكل كوهين، بارتكاب ثماني مخالفات مالية كبيرة متصلة بالحملة الانتخابية. هما رسالتان تمدّان المحقق روبرت مولر بالمزيد من المفاتيح لتزخيم وتعزيز تحقيقاته بالتدخل الروسي المحتمل في الانتخابات الأميركية.
أهمية محاكمة مانافورت أنّها تساعد مولر في تقفي آثار حركة أمواله وحساباته السرية في مصارف خارجية، لاستبيان مصادرها، وما إذا كانت لها روافد روسية غير مشروعة، اتصلت بصورة من الصور بالانتخابات الأميركية، في الفترة التي كان مديراً لحملة ترامب. فهو سبق وعمل كمستشار للرئيس الأوكراني السابق الحليف لموسكو، وله شبكة علاقات في كييف الموالية آنذاك للكرملين.
ولا تقتصر الأهمية على هذا الجانب فقط، إذ قد يختار مانافورت إعفاء نفسه من مشقة ومخاطر محاكمة ثانية بتهم أخرى، الشهر المقبل في واشنطن، من خلال عقد صفقة مع المدعي العام كما فعل كوهين، يدلي بموجبها بما لديه من معلومات حول التدخل الروسي، ومنْ شارك فيه من مسؤولي حملة ترامب بحال وجدوا، مقابل تخفيف عقوبته وجعلها رمزية أو شطبها كلياً. احتمال كابوسي بالنسبة إلى البيت الأبيض.
لكن اعترافات كوهين أهم وأخطر على الرئيس. فهو لم يكشف فقط عن انتهاكاته وتجاوزاته القوانين المالية والانتخابية، بل أشرك الرئيس في واحد خطير منها، عندما كشف كوهين في إفادته أنّه قام قبيل الانتخابات، "وبتوجيه من ترامب"، بدفع أموال لاثنتين من خليلات الأخير، لشراء سكوتهما كي لا يؤثر فضح العلاقة التي أقامها معهما بعد زواجه بفترة قصيرة، في الانتخابات.
خرق فاضح للأنظمة والقوانين المالية التي تحكم الانتخابات، والتي تعتبر اللجوء إلى مثل هذه الأساليب للتأثير بهذه الصورة في العملية الانتخابية، بمثابة "جناية". وفي ذلك ورطة كبيرة وذخيرة قد تكون مدمرة بيد مولر ضد الرئيس.
وفي الاعتقاد أنّ هذه الإفادة، هي أول الغيث، لأنّ كوهين يُعتبر منجم معلومات قد تكون "بالغة الأذى" للرئيس. فهذا المقرّب منذ سنين من ترامب، والذي كان رأس الحربة في حملته الانتخابية، انقلب على الرئيس الذي تخلّى عنه بعد انكشاف مخالفاته، وقرر على ما يبدو الانتقام منه.
ومن المرجح في ضوء ما كشفه، أمس الثلاثاء، ألا يطول الوقت قبل أن يعقد كوهين صفقة تعاون مع المحقق مولر، يبوح على أثرها بكل ما يملك من مستمسكات على الرئيس، بحسب تقدير لورانس ترايب أستاذ القانون في جامعة هارفارد.
بذلك، بدأت كفة القضاء ترجح على كفة السياسة، في موضوع التحقيق الروسي. دخلت محكمة القانون على الخط ليضعف معها تأثير محكمة الرأي العام المحافظ التي كان ترامب يخاطبها ويستقوي بها.
اعترافات كوهين، وصدور حكم هيئة المحلفين بتجريم مدير حملة ترامب، تطور فارق من شأنه خلخلة قناعات وانحيازات الجمهوريين والمحافظين. أو على الأقل الحد من اندفاع هذه الجهات في نكران عملية التدخل.
فما جرى، أمس الثلاثاء، لا يقل عن عملية انعطاف في المعادلة التي حكمت قضية التدخل الروسي وملحقاتها، وبما يسرّع من توالي فصولها وانكشافاتها. كما أنّه ضاعف من ارتباك البيت الأبيض الذي يبدو أنّه دخل منطقة الزلازل، ومعه الجمهوريون الذين يخشون من انعكاسات ذلك على انتخابات الكونغرس بعد شهرين ونصف، والتي تشير التقديرات والاستطلاعات إلى تقدّم الديمقراطيين فيها، واتجاههم نحو الفوز بالأكثرية في مجلس النواب.