أحقاد كروية لرجل طيّب

02 يوليو 2014
مانا نيستاني / إيران
+ الخط -

كعربيّ أولاً، وسوري ثانياً، لن أسمح لعواطفي الكروية أن تتغلب على مشاعر الغضب على الإنجليز، لذا لن أشجّع فريقهم. الإنجليز أصحاب وعد بلفور وسبب البلاء كله في بلادنا. لن تنفعهم وسامة ديفيد بيكهام ودعاياته الشيقة، ولا شقاوة السيد سيليسو رودريغز البرتغالي الذي يلعب في نادي "أرسنال"، والمتفرغ للدعوة إلى الجهاد في سوريا، كما ظهر في فيديو عبر "يوتيوب" مقنَّعاً بعد انضمامه إلى "داعش".

سأتركهم خلفي لعنة الله عليهم، وسأجد فريقاً جديراً بالتشجيع وبح الصوت لأجله، والعراك مع كارهيه، لكن المشكلة كبيرة فالمنتخبات المشاركة في المونديال الكروي تمثّل دولاً، والدول الممثلة بفرقها تنبغي دراسة مواقفها التاريخية من بلادي قبل اتخاذ قرار متسرّع بلبس قمصيها وشورتها.

وعليه.. وبعد تحليل وتمحيص، كرهتُ البرتغال التي اكتشفت رأس الرجاء الصالح بواسطة السيد بارثيو لوميو دياز، فحوّلت طرق التجارة البرية المارة بالشرق في اتجاه الهند نحو "رأس العواصف"، وكان ذلك سبباً رئيسياً في انهيار الدولة المملوكية. لعنة الله عليهم.

كرهتُ روسيا وفريقها، ودعوتُ الله أن يخسروا كل مباراة يخوضونها، وأن يخرج لاعبوهم بالبطاقات الحمراء جميعاً. روسيا تبعث بأسلحتها إلى بلدي، وتناهض ثورة السوريين في وجه النظام الدكتاتوري الذي يحكمهم، ولن يفلح تشيخوف أو تولستوي، ولا غوركي وديستويفسكي ـ مع كامل حبّي لهم ـ بتهدئة نقمتي. لعنة الله على روسيا قيصريةً وجمهوريةً في آن.

ثم تقلّصتُ وتمدّدتُ غضباً حين خطرتْ في بالي فكرة تشجيع الفريق الإيراني. أنا العربي الأصيل الرافض لفرسنة الخليج العربي، والمطالب بطنب الصغرى قبل الكبرى، العربي الرافض لتدخل إيران محتلة الأحواز العربية في شؤون العراق وسوريا ولبنان. ولشدّة الغضب الذي اعتراني كدتُ أتوقف تماماً عن تشجيع أي فريق، غير أنني طردتُ إيران من تفكيري، ولم ينجح أصل ابن سينا الفارسي بتهدئتي، وابتعدتُ نحو الفريق الألماني قائلاً: لعنة الله على إيران.

ثم وبسرعة خاطفة أنزلت لعنة الله على فرنسا من بابها لمحرابها، فهي التي احتلت سوريا وقصفت دمشق وبرلمانها، ولم تخرج منها إلا بعد ثورة امتدت لسنوات. هل ستعتقد أنها قد تكسب تشجيعي بسبب سمعة زين الدين زيدان العظيمة؟ أم بسبب هدفَيْ السيد كريم بن زيما الذي ضمن لها الفوز؟ ألا فليعلموا إذاً أنني كعربي لم ولن أنسى المليون شهيد في الجزائر، ولم ولن أنسى حملات نابليون على مصر العربية. لعنة الله على فرنسا من بابها لمحرابها، وعلى عطورها وأجبانها، وعلى برج إيفل من قاعدته إلى قمته.

سأتوجه بحبي نحو البرازيل إذاً. ولكن كيف يمكن لي، أنا الشاب السوري، أن أحب فريقهم وهو الذي فضح فريق شبابنا السوري حين هزمنا شر هزيمة، ولم يدع لنا مجالاً للمس الكرة. هذا ولن ننسى ونغفر علاقة البرازيل الودية بـ"إسرائيل"، ومساهمتها في دعم نشاطها الحربي، حتى أن حجم التبادل التجاري في هذا المجال يصل إلى مليار دولار، مما وضعها في الترتيب الخامس للدول المستوردة للسلاح "الإسرائيلي". تأفّفتُ وهززت رأسي قائلاً: لعنة الله على البن البرازيلي، وعلى السامبا، وعلى رونالدو وزيكو وبيله، وعلى الفتيات البرازيليات الجميلات.

من سأشجع في هذا المهرجان الكروي، وأنا العربي أولاً، والسوري ثانياً، ولي ثأر مع كل بلد؟ ولدي مظلمة عند كل قوم ومنهم من احتل بلادي، ومنهم من قصفها، ومنهم من سرقها، ومنهم من شوّه تاريخها، ومنهم من دعم أعداءها؟

حسمتُ أمري أخيراً، وبعد كل ذلك البحث قررت أن أشجّع، بكل جوارحي، فريق دولة "التوغو" الإفريقية. تلك الدولة المسكينة التي تعتمد على الزراعة، وعانت الوصاية الألمانية، ثم الاحتلال الفرنسي. تلك الدافئة كحلم، والتي يبلغ عدد سكانها حوالي السبعة ملايين، ولم ترتكب أي حماقة تذكر بحق بلادي، والتي تبنت شعاراً وطنيّاً أؤمن به "عمل.. حرية.. ووطن". سأشجع "التوغو" وسأهتف بالفم الملآن: "كلنا معك يا توغو". لكن يبقى أن أنتظر، أنا العربي الأصيل، أن تتأهل "التوغو" ذات مونديال، وأن أدعو لها بذلك، بل سأبدأ منذ الآن، اللهم فاقبل دعائي! 

المساهمون