أحضرتُ لكم المساء ميتاً

23 مارس 2020
جينك غوندوغدو (العربي الجديد)
+ الخط -

فقيدُ المساء

لقد أحضرتُ لكم المساء ميتًا
مع العورات الثلاث التي سقطت من الكلام
لا أستطيع حلّ الرياح من عنقي
وأصدقائي القرويون صامتون
وضائعون في طلب البعيد
اتركوهم داخل الوقت الصريع

ليبقَ حزن الطرقات في مكانه
ولكن خلِّصوا قلبي من صحراء هذه الورقة
لأنني أعرف أن الطرقات تبدو متعبة
حين ننظر إليها، وعندما يحمل الذاهبون الملحَ في فمهم المُتعب
لو تعوّدتُ على وقت ما لما كنتُ هُزِمتُ
ولو حدّثتكم في الشواطئ التي غرقت فيها الشمس
وأنا أتوسّل إلى أبناء الحجر
عن طفولة الحصان
وعن قهر الذين ولدوا ميتين
لما كنتُ تبعثرتُ في هذه المياه

أقول مثلما يقول الجبلُ
لقد أحضرتُ لكم المساء ميتًا
جمِّلوني واحملوني ميتًا إلى العشق.


■ ■ ■


سماء جوزيه

أطلقوا النار على شبابه في السّهل
النار تشعل المراعي
وها هو هناك، في أرض قاحلة بلا سبب
سكتُّ من أجل صرخةٍ
وانطفأت من أجل ليلةٍ
الأحد القادم ضمّني إليه
مع الدَّم المُسودِّ بلا توقف

آه أيها العُمقُ الظالم
أحزنتَ عينيّ
حين كنتُ في السهل ذات مرة
بينما أردتُ أن أذوب
وأذهب إلى العزلة المكتوبة بحصانكِ
وإلى الرياح التي مررتِ فيها بجناحيكِ
هو صوت الدفاع عن زهرةٍ
كنتِ تريدين لمسها بيديكِ
فحملتِ نفسكِ في هذه الأبدية العظيمة
إلى التمرّد المُصوّب نحو العالم

ممرٌّ جبليٌّ للسهل
ينبغي أن تكون هزيمةً كبيرةً ومرعبة
وأن تُفرغ السماء على عجل.


■ ■ ■


دم

تفوح رائحةُ الدم في كل مكان
دمُ الأخ
دمُ الأرنب، دمُ العدو
دمٌ أحمرٌ داكنٌ
دمٌ يتدفق من أُخُوّة الدم
ثقيلًا، ساخنًا، باردًا، متوقِّفًا

يدٌ ملوثةٌ بالدماء

دمٌ لا يُغسل، دمٌ أسود
الدمُ المطلوب، الموجودُ، المأخوذُ، المَمْنُوحُ

دمٌ بِدَمٍ
عيونٌ مغرورقةٌ بالدماء
دمٌ يبكي دمًا
مُدّعى عليه بلا دعوى، بنك دم
دمٌ يُراقُ في كل مكان
دمٌ متعطش للدم
دمٌ قاطعٌ، فاسدٌ، مُراق
دمٌ ملطّخٌ بالدم، دمٌ خاسرٌ، فائر
دمي يتنفس رائحةَ الدم
فار دمُهُ، وتجمّد
دمٌ ملطخٌ بالدم، دمٌ خفيفٌ، داكنٌ، جافٌ،
دمٌ ثرثار
يسقطُ سعرُ الدم
دمٌ على الأرض في كلّ مكان
ولن يضيع هباءً
قتلني ومصّ دمي
دمٌ متعطشٌ للدم
وبدلًا من رائحة القهوة
تفوح رائحةُ الدم من كل بيت

حفلاتُ الزفاف، النقودُ، العقوباتُ، الزهورُ
الأرستقراطيونُ، أولادُ الحرام
الكائنات الحيّة، الجماداتُ،
القذرونَ، النظيفونَ، العمالقةُ، الدولُ،
يمتصّون الدمَ
يقولون: الانتقامَ الانتقامَ
وهم عطشى للدم
عيونهم حمراء وتفوح برائحة الدم
ووجوههم حمراء كالدم، من حفلات البكارة
وليس بإمكان أحدٍ أن يوقفَ هذا الدم

دمٌ مبصوقٌ، دم مُبْتَلَعٌ
دم يُجمِّد الدم
دمٌ عديمُ الدمِ
في جبال قنديل، في ساحل كنليجا، في قندهار
يُشرب الدمُ، ويُعضّ
يعيشون مع الدم

ملاءات السرير والنوم والحقائق
تفوح برائحة العداوة حدّ القتل
خسارةٌ وموتٌ بأي ثمن
تفوح رائحة الخبز المُقطّع داخل الدم
تفوح رائحة الدم بغزارة
وأنا فصيلة الدم "A سالب" التي يبحثون عنها
الدم التركي، الدم الكردي، الدم اليوناني، الدم الأرمني
كنتُ نزيفًا بداخلكم جميعًا
دمُ أفراد العائلة، دمُ الشهيد، دمُ الفدائيين
دمُ البحر، دمُ هذا، ودمُ ذاك
دمُ الصديق، دمُ العدو
دمُ الحصان، دمُ العربة
دمُ العرب، دمُ المرأة
دمُ الغرب، دمُ العَلَم
دمُ الشرق…
قطرةُ دمٍ
صارت بحيرةً، وها هي تفوح برائحة الدم!


■ ■ ■


وردة بلا سبب

مرتبطاً بالبَعيدِ
ومن أجلكِ سعيتُ إلى هذا التعب
كنتُ صامتًا منذ الصباح
المنازلُ مُبعثرةٌ
والدروبُ التي سرتُ فيها كانت جنبًا إلى جنب

تحدّثتُ، وعرفتُ أنهم سيصمتون يومًا ما
وفي هذا اليوم، ستكونين وردةً تفتَّحتْ من أجلنا
ومرة أخرى أقولُ بلا سببٍ
بدأتِ تبتسمين…
لا تقولي لأحدٍ عن هذا
لأن الجميعَ يبحث عن السبب
وهناك من يرى جرحه كالجبل

قلتُ، من أجلكِ غضضتُ الطرفَ
عن دور السينما، والمصابيح النيون
عن الزحام الذي نسيتُ اسمه
وأهل المدينة الذين يُقرعون كسَوطٍ بلا صاحب
وعن ظلم عابدي الأموال والقوة
من أجلكِ أحضرتُ العزلة إلى هنا

كنتُ ضعيفًا وطويل القامة
في رجلٍ منسيّ
وكنتُ الوقتَ أنحتُ الفراغَ
جلستُ ونظرتُ إليّ
فرأيتُ وحدتي وهي تكبر

يا حديقتي المهجورة، وبئري الأبدي
سقطتُ من نومكِ، وصرتُ حُرًّا
يا وردتي التي بلا سبب، ويا جنتي المظلمة

أيها الفخُّ الذي كنتُ قدره
من أجل ذلك نسيتُ هذا الحب
تعالي إلى النهر الأخضر الذي أتدفّق منه.


■ ■ ■


نار البيت

ثم مرّ القطار
وبقيتُ في العربة التي تنتظر النوم
هناك في القهر الرقيق
ستُّ صور، وجمعةٌ جاثمةٌ
سجلٌ جنائيٌّ، وتقريرٌ طبي
وفي جيبي الخلفي خبرٌ جيدٌ
حدّثتُ الباب الذي يفتح على الدهشة

كان في مارس أو المساء
وكنا نُكسَرُ مع أجنحة التّلاثُم
خسرنا في ارتِباطنا بالعالم
توقّفنا، وبدأنا الحديث مع السماء
عن شفاهنا حتى الجنوب
بصوتٍ طويلٍ أبيض
فوقنا شموس قديمة
ونرتدي سترات مكويّة، وألبسة مبهجة

مررنا بالهزيمة مع الكلمات العارية
انتهت أنبوبة الغاز، وجفَّ الخبز
هطل سبتٌ يافعٌ بداخلنا
وفارَ الحب في عيوننا

يا قصري القديم
السماء التي أخذتُها من فمكِ
هي وقتي الذي لا ينتهي بابتسامتكِ
لساني الذي لامس البهجة
هو صباحي الذي يؤدي إلى تلك البداية
اجمعي الأسلحة، وخبّئي الكتب
هناك أغنية فاسدة
تُعزف بأيادي الذين يسنّون الفراغ
وهذه الهاوية مُعدية

انظري، يكبر القمر مثل أبٍ بعينين داميتينِ
لنرفع هذه الفجوة من بيننا
تعالي لنحكِ عن بيت مليء بالرياح
لم ينظر إليّ أحدٌ معي
ثم مرَّ جبلٌ وفي فمه نار البيت.


* Cenk Gündoğdu أحد أبرز شعراء جيل الألفية الثالثة في تركيا. ولد في أنقرة عام 1976، ودرس الاقتصاد ثم الفنون الجميلة. عمل محررًا في العديد من الصحف والمجلات الأدبية، وهو الآن أستاذ جامعي يدرّس المسرح. من إصداراته الشعرية: "وحشة" (2012)، و"خراب" (2013/الصورة). حصل على جائزة الشاعر متين ألتي أوك، وجائزة الشاعر أركداش أوزجار، وجائزة الشاعر داغلارجا. كما أصدر أنطولوجيا شعر الألفية الثالثة في تركيا عام 2017.

** ترجمة عن التركية: أحمد زكريا وملاك دينيز أوزدمير

المساهمون