أحسن من سورية والعراق

13 يوليو 2016
أنظمة عربية راحت تعاير المواطنين بنعمة الأمن (فرانس برس)
+ الخط -
في العقد الخمسين من عمرها مصابة بمرض خطير، قابلتها على بعد خطوات من الكعبة المشرفة تائهة تبحث في الزحام عن شقيقتها التي فقدتها منذ ساعات، ولا تعرف موقع الفندق الذي تقيم فيه، كما لا يوجد لديها تليفون محمول.

سألتها: كيف الحال في مصر يا حاجة؟ وكانت إجابتها أسرع مما أتوقع: "إحنا أحسن من سورية والعراق".

شكرتها على الإجابة ودعوت لمصر معها بنعمة الأمن والاستقرار وأوصلتها إلى الفندق، الذي تقيم فيه بعد أن أبلغتني باسمه.

أحسن من سورية والعراق.. الكلمة بدأت من مصر قبل 3 سنوات، وانطلقت إلى بلدان عربية عدة، منها تونس والجزائر والأردن والمغرب ودول الخليج والسودان وغيرها، واستغلت أنظمة وحكومات هذه الدول الأوضاع المأساوية التي يعيشها الأشقاء في سورية والعراق وغيرها من البلدان العربية التي تشهد قلاقل سياسية وحروبا مثل اليمن وليبيا، وراحت تقايض شعوبها، بل وتعايرهم وتبتزهم، وتخيّرهم ما بين السكوت عن الأوضاع المعيشية الصعبة وتفشي الفساد واغتصاب السلطة عنوة، أو الحياة الباهتة منزوعة الدسم ودون المطالبة بأية حقوق.

تخيّرهم بين نسيان المطالبة بالحرية والديمقراطية واحترام القانون ومبدأ المواطنة وتداول السلطة أو الفوضى، بين التمتع بالأمن الشكلي والقبول بالقهر وانتهاك حقوق الإنسان أو العيش تحت نيران البلطجية والشبيحة، بين الانزلاق إلى الحرب الأهلية وضياع المستقبل أو القبول بالجوع وارتفاع الأسعار والمياه الملوثة والبنية التحتية المنهارة.

تخيّرهم كذلك ما بين القبول بالحد الأدنى من لقمة العيش الكريمة أو الحرب الأهلية والدمار وربما فقدان الأوطان.

بل إن أنظمة عربية راحت تعاير المواطنين بنعمة الأمن، وكأنها منحة وصدقة وليست حقاً طبيعياً، وتطالبهم وسائل إعلام تابعة لها بشكر الأنظمة والحكومات على نعمة الاستقرار حتى وإن كان منقوصاً، وأحيانا ترفع لهم الفضائيات راية الترهيب بأن مصيرنا سيصبح مثل سورية والعراق إذا ما طالبنا بأمور تعتبرها شكلية مثل الحريات العامة واقتسام ثروات البلد والمشاركة في اتخاذ القرار.

في مصر مثلاً، عندما ينتقد كثيرون ممارسات النظام من قتل واعتقال وتصفية جسدية لمعارضيه السياسيين نجد أن أطرافاً ووسائل إعلام محسوبة على النظام تخرج على المصريين قائلة "احمدوا ربنا.. ألسنا أفضل من سورية التي قتل فيها نظام بشار أكثر من نصف مليون مواطن، وحوّل نحو 12 مليوناً إلى لاجئين في الداخل والخارج؟.. اصبروا على الجوع والفقر والبطالة والفساد وسجن النشطاء السياسيين، وإلا البديل هو تفتيت أوطانكم إلى دويلات والوقوع تحت خطر الإرهاب وحكم داعش والقاعدة".

وعندما ينتقد شباب جامعيون جزائريون النظام الحاكم لعدم توفيره فرص عمل وحياة كريمة ووحدة سكنية حتى ولو بالإيجار وبنية تحتية قوية، يقال لهم "ألستم أفضل من الشباب السوري الذي فقد حياته وحياة أسرته، أو على الأقل اضطرته الحرب الدائرة إلى الهجرة خارج وطنه بحثا عن مكان آمن يقيه البراميل المتفجرة وشظايا طائرات الأسد".

وعندما ينتقد المواطن الليبي سرقة ثروات بلاده والارتفاعات القياسية في الأسعار واختفاء الخدمات الضرورية من كهرباء ومياه وطرق، تطلب منه الحكومة وأطراف محسوبة عليها السكوت وشكر الله، لأن الأسعار داخل سورية ارتفعت بنسبة 1200%، أما في ليبيا فإن الزيادات 100 أو 200% فقط... يعني أقل 20% من الارتفاعات التي حدثت في سورية، كما أن فترة انقطاع الكهرباء بسورية تمتد إلى نحو 22 ساعة يوميا.

وعندما يثور شباب تونسي مجددا ضد النظام الحاكم، ويوجه العاملون في قطاعات السياحة والفوسفات والزراعة انتقادات حادة للحكومة بسبب عجزها عن حل أزمات الاقتصاد ومشاكل البلاد المالية والتوسع في سياسة الاقتراض الخارجي، يكون الرد: ألسنا أفضل من العراق الذي تحول إلى دويلات وشيع وطوائف شتى، ولا يوجد فيه أمن، وتحولت الفنادق والمنشآت السياحية إلى ركام، واقتطعت داعش 40% من أراضيه، وتم تدمير معظم ثروته النفطية وتعرضت اثاره للسرقة والنهب منذ الاحتلال الأميركي في عام 2003.

وعندما يعترض باعة جائلون في شوارع الخرطوم على مضايقات الأمن لهم في لقمة عيشهم يقال له "احمد ربنا على أنك تجد شارعا آمنا تقف فيه.. ألسنا أفضل من شوارع إدلب وحلب التي تحولت إلى ركام؟".

ببساطة، المطلوب منا السكوت والقبول بالأمر الواقع، تخييرنا ما بين الانزلاق إلى حروب أهلية أو القبول بقمع حرياتنا وأكل الفتات وضغط الإنفاق وزيادة الأسعار، وأحيانا قتل مئات منا ليعيش الملايين ومعها الأنظمة؟

المساهمون