أحداث كورسيكا... بركان ينفجر ضدّ العرب بعدما توفّرت الشرارة

29 ديسمبر 2015
تحّدى المتظاهرون قرار منع التظاهر (يانيك غرازياني/فرانس برس)
+ الخط -
تعيش مدينة أجاكسيو، عاصمة جزيرة كورسيكا الفرنسية، منذ ليل 24-25 ديسمبر/كانون الأول الحالي، على وقع موجة غير مسبوقة من العداء للعرب والمسلمين، مع تظاهرات يومية تُرفع فيها شعارات عنصرية، تدعو إلى طرد العرب والمسلمين من الجزيرة.

وبدأت وقائع الفصل العنصري، يوم الخميس، ليلة عيد الميلاد، عندما تعرّضت دورية مشتركة لرجال الإطفاء والشرطة في أجاكسيو، لهجوم عنيف من طرف مجموعة من الشبان في حي "حدائق الإمبراطور"، الذي تسكنه غالبية من العرب والمسلمين المتحدرين من بلدان شمال إفريقيا، المعروف هناك باسم "حي العرب".

وفور انتشار خبر الاعتداء، خرج سكان المدينة في تظاهرة عفوية للاحتجاج ضده، في صورة تعكس تعلّق الكورسيكيين برجال الإطفاء، وهم في غالبيتهم الساحقة من أبناء الجزيرة بخلاف قوات الشرطة والدرك. تحوّل الاحتجاج على الاعتداء والتضامن مع المُعتدى عليهم إلى تظاهرة عنصرية عنيفة بصورة سريعة، لتُطالب بطرد العرب من المدينة ومن الجزيرة بأسرها، بشعارات يعاقب عليها القانون الفرنسي عادة بالسجن.

وفي ذروة الفوضى، توجّهت مجموعة من المتظاهرين إلى الحي العربي، لـ"الانتقام" من مرتكبي الاعتداء ضد رجال الإطفاء، واقتحموا قاعة مخصصة للصلاة، وخربوا محتوياتها، وأحرقوا مجموعة من الكتب الدينية، كما خربوا محل "كباب" بيع السندويتشات وسط المدينة.

ومنذ تلك الليلة، تعيش أجاكسيو على وقع تظاهرات معادية للمسلمين والعرب، أفرغت فيها أقلية من المتظاهرين "حقدها الدفين" على أقلية لا يتجاوز عددها 3 آلاف عربي، أكثر من نصفهم فرنسيون، وُلدوا في الجزيرة، ولا يعرفون وطناً غير فرنسا. كما أن الحي العربي محاصر بأعداد كثيفة من قوات الأمن التي تحاول صدّ المتظاهرين من اقتحامه.

والواقع أن حي "حدائق الإمبراطور" يُشكّل منذ عقود نموذجاً لمعضلة الأقلية المتحدرة من أصول مغاربية، كونه حيّاً منغلقاً على نفسه بسبب العنصرية المتفشية في المدينة، التي يتجذر فيها التيار القومي الانفصالي، الداعي لاستقلال الجزيرة عن فرنسا، وطرد كل الأجانب، وعلى رأسهم العرب والمسلمون، الذين قدمت طلائعهم الأولى إلى الجزيرة في مستهل الخمسينيات من القرن الماضي، للعمل في الزراعة بتشجيع من الإدارة الاستعمارية الفرنسية آنذاك في المغرب والجزائر وتونس.

اقرأ أيضاً: دومينو كتالونيا يضرب فرنسا في كورسيكا

ويعيش سكان هذا الحي في فقرٍ شديد، ويعاني أكثر من نصفهم من البطالة ويعتمدون على المساعدات الاجتماعية. كما أن هناك أقلية من سكان الحي، مكوّنة من عشرات الشبان المنحرفين، تُمثّل مشكلة أمنية في المدينة بسبب الاتجار في المخدرات، وارتكابهم مخالفات تدخل في إطار جرائم الحق العام. وحسب المسؤولين الأمنيين، فإن العناصر التي اعتدت على رجال الإطفاء هي من هذه الشريحة بالذات.

وظهر جلياً العنف العنصري غير المسبوق، لناحية خلط متظاهري أجاكسيو، عمداً، بين حفنة من الشبان المنحرفين والغالبية الساحقة من الجالية العربية والإسلامية، وأيضاً الخلط المستفز بين الاسلام والإرهاب. مع العلم أنه لم يتمّ تسجيل أي حضور لـ"التيارات الجهادية" بين سكان كورسيكا المسلمين حتى الآن.

ووفقاً لمراقبين، فإن هذه الموجة العنصرية غير مفاجئة على الإطلاق، والبركان كان في حاجة إلى شرارة صغيرة، كي يُطلق حممه النارية في الجزيرة، التي ينزع غالبية سكانها إلى الانغلاق القومي، ومعاداة الأجانب عرباً وأوروبيين.

وتأتي هذه الأحداث غداة النجاح اللافت للقوميين الانفصاليين في انتخابات مجالس المناطق الأخيرة، وتمكنهم من الفوز برئاسة البرلمان المحلي والمجلس التنفيذي للإقليم، وأيضاً تمكن لائحة حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتشدد من الحصول على 2700 صوت في مدينة أجاكسيو، وهو رقم تاريخي لم يسبق للحزب اليميني المتطرف أن حصل عليه في الجزيرة. وسارع رئيسا مجلس النواب الجديد جيل سيموني، والمجلس التنفيذي للجزيرة، جان غي تالاموني، إلى شجب الموجة العنصرية، وأكدا أن "لا علاقة للقوميين الكورسيكيين بالعنصرية وكراهية الأجانب".

وذكر سيموني في خطابه الافتتاحي للبرلمان المحلي، أن "الشعب الكورسيكي منفتح وأخوي، وراغب في الاستمرار في دمج كل السكان الذين يعيشون في الجزيرة، بغض النظر عن ثقافتهم وديانتهم وألوانهم". غير أن الأحداث الأخيرة كذّبت بقوة خطاب سيموني، وكشفت ما يعرفه الجميع من تجذّرٍ للخطاب المعادي للأجانب في أوساط سكان الجزيرة. وهو الخطاب الذي اكتسب شعبية أكثر بعد اعتداءات يناير/كانون الثاني الماضي، ضد مجلة "شارلي إيبدو" واعتداءات الجمعة السوداء في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

لكن العديد من المراقبين يربطون بين صعود التيار القومي وتأجج المواقف العنصرية ومعاداة مؤسسات الدولة الفرنسية، فالمتظاهرون أرادوا تطبيق القانون بأياديهم ضد مرتكبي الاعتداء على رجال الإطفاء، بدلاً من ترك المهمة للأجهزة الأمنية. كما تحدّوا الأجهزة باستمرارهم في التظاهرات، على الرغم منع رئيس المحافظة التظاهر حفاظاً على الأمن العام، ويواصلون ترداد شعارات تطالب بطرد العرب والمسلمين، وتنعتهم بشتائم عنصرية، كانوا سيعاقبون عليها حتماً لو أنها رُددت في الأراضي الفرنسية الأخرى.

اقرأ أيضاً: إسلاموفوبيا فرنسية.. تصاعد الانتهاكات ضد المسلمين

دلالات
المساهمون