تذهب الولايات المتحدة إلى انتخابات الكونغرس بعد أسبوع من اليوم، وهي في أجواء تشبه الحرب الأهلية الباردة، وتُنذر بالتحوّل إلى ساخنة في حال استمرت بالتفاقم وتعذر تغيير مسارها. وتكون الأجواء السياسية عشية الانتخابات عادة حامية بتأثير قرب موعد الاستحقاق، لكنها هذه المرة تبدو متفجرة، فالخطاب الذي يسود فيها تحريضي وتخويني، ويصل أحياناً إلى حد الحديث عن "استحالة التعايش" مع الآخر، كما يتردد على لسان بعض رموز المحافظين المتشددين. هذه اللغة فيها شيء من الأجواء التي مهّدت للحرب الأهلية عام 1860، ولو أنه من الصعب وصول الأمور إلى النتيجة نفسها، فالظروف مختلفة والتماسك الاجتماعي قوي والمؤسسات قائمة، لكن ذلك قد لا يمنع من ازدياد الانفلات.
القتل العشوائي وبالجملة، ليس جديداً في الولايات المتحدة، بل صار محطة دورية في تاريخها، لكن هذه الهجمة الدموية أخذت أهمية خاصة لأنها الأولى من نوعها على الساحة الأميركية ضد اليهود. كما أنها تأتي وسط تزايد النعرة المعادية للسامية في أميركا التي ارتفعت بنسبة 57 في المائة العام الماضي. الأمر الذي أثار حالة من القلق العميق في أوساط الجالية اليهودية الأميركية، مع حصول نوع من الاستنفار لحماية مراكزها المدنية والدينية في عموم البلاد.
تاريخ الولايات المتحدة يكشف أنها مرت في ظروف تنابذ حادة، من التمييز العنصري بعد الخروج من العبودية، ثم المكارثية في الخمسينيات، إلى معركة الحقوق المدنية في الستينيات، لكنها نجحت في تجاوزها كلها من خلال فعالية المؤسسات وصمامات الأمان الدستورية. أما الفارق اليوم، فهو أن العشوائية مستعرة، في ظل وضع من الترهل في دور المؤسسات، خصوصاً الكونغرس، الذي يبدو وكأنه تخلّى عن وظيفته كحارس أساسي لضبط الأوضاع، ومن هنا تبدو المخاوف التي تتردد مشروعة، لكن من دون قدرة على وضع حد للنزف المتواصل.