أبين شريان الجنوب اليمني: مفتاح الحرب والسلم

25 مايو 2020
تفسيرات عدة لتبرير الصراع اليوم (نبيل حسن/فرانس برس)
+ الخط -


يتداول اليمنيون مثلاً شعبياً سائداً، عند الحديث عن القوى المحلية ونفوذها. يقول المثل: "يا ويل عدن من صنعاء، ويا ويل صنعاء من دثينة"، أي أن صنعاء تمثل تهديداً على عدن، لكن دثينة تمثل تهديداً أكبر على صنعاء. ودثينة هي منطقة تابعة لمحافظة أبين، جنوبي اليمن، وتتضمن مديرية الوضيع، مسقط رأس الرئيس اليمني الحالي عبد ربه منصور هادي، كما يتحدر منها الرئيس الأسبق للجنوب اليمني، علي ناصر محمد، وسبق أن أعلنت نفسها كأول جمهورية في الجزيرة العربية، وإن تمّ ذلك شكلياً، من خلال تدوير منصب الحاكم بين عددٍ من القبائل التي شملتها. ويعكس المثل، بشكلٍ أوسع، موقع محافظة أبين في الخيال الشعبي اليمني، كقوةٍ رئيسية، لم تغب عن الصدارة منذ تكوين الدولة اليمنية الحديثة. فاتساع جغرافية هذه المحافظة، وتوزعها على السهل والجبل، وخصوبة أراضيها، وثروتها المائية، مع موقعها الرابط بين عدن ولحج من جهة، وشبوة والبيضاء من جهة أخرى، جعل السيطرة عليها ضرورة ملحة أمام أيّ سلطة تريد حكم جنوب اليمن تحديداً.

وتكمن أهمية أبين، في كونها بوابةً لمحافظة عدن، وشرياناً يربطها مع لحج والضالع بباقي محافظات الجنوب الشرقية (شبوة، حضرموت، والمهرة). ولذلك، لم تنجح "الجبهة القومية للتحرير" في السيطرة على عدن عند جلاء الإنكليز، إلا بعد سيطرتها على أبين، كما أن سقوط الأخيرة في يد قوات علي عبد الله صالح في عام 1994، حسم المعركة لصالحه، بشقّ الجنوب إلى قسمين، وقطع خطوط الإمداد بين عدن وحضرموت. بدوره، عندما أراد تنظيم "القاعدة" ممارسة "دور الدولة" على الأرض في عام 2011، كانت مدينة جعار، وكذلك زنجبار (مركز المحافظة) في أبين، هما الأرض التي أعلن منها التنظيم إقامة إمارته الإسلامية. وقبل ذلك بثمانية عقود تقريباً، مع إعلان ونستون تشرشل، وزير المستعمرات البريطانية، تقليص الإنفاق على الجنود الإنكليز حول العالم، بتجنيد قوات محلية في كل مستعمرة، توجهت أنظار الإنكليز إلى قبائل أبين وشبوة قبل سواهما، لتشكيل جيش "الليوي" من أبنائهما بدرجةٍ أساسية. هكذا، تبدو أبين بموقعها الجغرافي، وتماسك بنيتها القبلية، ودورها في التاريخ السياسي اليمني، واحدة من أهم المحافظات اليمنية على الإطلاق، سواءً في السلم أو في الحرب.

ومع استبعاد فترة حكم الرئيس اليمني الحالي عبد ربه منصور هادي، فقد حَكَمت أبين جنوب اليمن، من خلال سالم ربيع علي وعلي ناصر محمد، لمدة 15 عاماً، بعد جلاء الاحتلال الإنكليزي في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1967، من إجمالي 23 عاماً، هي عمر دولة الجنوب حتى إعلان الوحدة اليمينة في 22 مايو/أيار 1990، أي أنها استحوذت زمنياً على 65 في المائة من عمر دولة الجنوب قبل الوحدة.


تحالف القبائل
تعززت قوة أبين ودورها السياسي والاجتماعي، بتحالفها التقليدي مع قبائل شبوة، وأبرزها قبائل العوالق. ومنذ عام 1928، شكّل أبناء قبائل المحافظتين صلب جيش "الليوي" الذي كرسّه الإنكليز كقوةٍ محلية، تتولى المحافظة على استقرار المحميات الغربية من جنوب اليمن. هذا التحالف امتد لما بعد الاستقلال، بحيث لم يتم الانقلاب على قحطان الشعبي، أول رئيس لجنوب اليمن في يونيو/حزيران 1969، إلا بعد أن تخلى عنه كلّ من وزير داخليته محمد علي هيثم، وهو من أبناء دثينة، ووزير دفاعه، محمد صالح عولقي، وهو من أبناء العوالق في شبوة. وبلغ تحالف المحافظتين قبلياً وسياسياً ذروته، في ما عُرف بأحداث 13 يناير/كانون الثاني 1986، بين رفاق الحزب الاشتراكي اليمني من تياري "الطغمة" (ردفان ويافع والضالع، ومعهم حضرموت بدرجة أقل، وإن تصدرت المشهد بعد تلك الأحداث) من جهة، و"الزمرة" (أبين وشبوة) من جهة أخرى، وانتهت بهزيمة "الزمرة" بقيادة علي ناصر محمد، وفرار قياداته والآلاف من أفراد الجيش الموالين له إلى شمال اليمن، ومنهم الرئيس الحالي هادي، ولم ينته تحالفهما حتى الآن كما أظهرت معارك الأشهر الأخيرة بين "المجلس الانتقالي الجنوبي" وحكومة هادي.

في يونيو/ حزيران 1969، تولى سالم ربيع علي، المتحدر من محافظة أبين، رئاسة الدولة في الجنوب اليمني خلفاً لقحطان الشعبي (1967 -1969)، وتولى محمد علي هيثم رئاسة الحكومة، وهو من دثينة في أبين، كعلي ناصر محمد الذي تولى وزارة الدفاع يومها، لتستولي أبين على أهم مناصب السلطة. وبعد إقصاء هيثم من رئاسة الحكومة في عام 1974، تولى منصبه علي ناصر محمد، الذي حافظ على هذا المنصب حتى عام 1980، عندما أزاح عبد الفتاح إسماعيل من الرئاسة، وأصبح رئيساً لدولة جنوب اليمن وللحكومة ووزيراً للدفاع أيضاً. ثم جاءت أحداث يناير/كانون الثاني 1986 لتقصي ناصر من جميع مناصبه في السلطة، وتحوله إلى لاجئ في صنعاء حتى مايو/أيار 1990، عندما طلب رفاقه السابقون في الحزب الاشتراكي إخراجه منها كشرط لاستكمال خطوات الوحدة بين الشطرين. حينها كانت آثار مذابح يناير/كانون الثاني 1986 في عدن، لا تزال حيّة، وقابلةً للاستدعاء بين رفاق الأمس، فغادر علي ناصر محمد صنعاء إلى العاصمة السورية دمشق، وظلّ فيها كمقر إقامة دائم له.

وعندما غادر علي ناصر محمد إلى الشمال، لم يكن وحده، فقد كان معه عشرات الآلاف من الجنود الجنوبيين من أبناء أبين وشبوة، ومنهم عبد ربه منصور هادي، الذي لم ينس هزيمة يناير 1986، وقام مع جنوده بدور حاسم للانتقام من رفاقه السابقين في حرب صيف عام 1994 إلى جانب قوات علي عبد الله صالح، ضدّ علي سالم البيض وقيادات دولة الجنوب التي دخلت الوحدة مع صالح، وأغلبهم من أبناء لحج والضالع، أي الطرف المنتصر في 1986. وبعد سيطرته على مكيراس، أول مديرية من أبين حينها، عيّنه صالح وزيراً للدفاع، قبل أن يعينه نائباً له، ويعين اللواء عبد الله عليوة وزيراً للدفاع بدلاً عنه. والأخير هو كهادي، من فريق علي ناصر محمد المهزوم في أحداث يناير، ويتحدر من محافظة شبوة.

بعد الوحدة اليمنية، وتحول الحزبين الحاكمين في كلّ من عدن وصنعاء (الاشتراكي اليمني بقيادة البيض، والمؤتمر الشعبي العام بقيادة صالح)، كانت النوايا مبيتة كما يبدو لدى كلٍّ منهما لابتلاع الآخر عند أول فرصة، ولذلك احتفظ كل من الحزبين بوحداته العسكرية تحت قيادته، وبالوجوه والعقيدة القتالية والمقرات ذاتها، عدا بعض المعسكرات التي جرى نقلها بين الشطرين دون أي تغيير في التبعية والولاء. وقد اختار سالم البيض عمران وصنعاء وذمار كمقرات لمعسكرات جنوبية تمّ نقلها إلى الشمال، أي في محيط العاصمة مباشرة. من هذه المعسكرات قوات العمالقة الموالية لصالح، وقد اختار بدوره أن تستقر في أبين. وكما اشتعلت شرارة القتال ضد معسكرات الجنوب في عمران، اشتعلت شرارة القتال ضد معسكرات الشمال في أبين، بحصار قوات موالية للبيض قوات العمالقة في المحافظة، وكانت تلك الإجراءات من الجانبين مقدمة لحرب استمرت أشهراً (بين مايو/أيار ويوليو/تموز 1994)، وانتهت بانتصار صالح عسكرياً.

كان لقوات العمالقة في أبين دورٌ فاعلٌ في إحكام صالح تطويق عدن من الشرق والشمال، فقد التحمت مع القوات التي قادها هادي وعليوة عبر البيضاء واستولت على مكيراس ثم أبين، فأصبح الجنوب مشطوراً إلى نصفين: الأول في عدن، والثاني في حضرموت، ولا يمكن لأي من الشطرين الوصول إلى الآخر. مثّلت تلك المعركة درساً قاسياً في أهمية الجغرافيا عسكرياً، كما مثّلت ملاحقة المنتصرين في أحداث 1986 لأبناء أبين درساً قاسياً في صناعة الثأر الذي يمزق النسيج الاجتماعي. هذا الدرس لم يتعلم منه صالح وقواته بعد انتصاره في حرب صيف 1994، فنتج عنه صعود الحراك الجنوبي، ثم المجلس الانتقالي الجنوبي، في متوالية من الصراعات لا تزال تدمر اليمن حتى اللحظة. وعلى الرغم من التقاء البيض وعلي ناصر محمد في العاصمة اللبنانية بيروت في عام 2007، في محاولة لتجاوز أحداث يناير 1986، وما نتج عنه من منتديات التصالح والتسامح في الجنوب، إلا أن تداعيات أي صراع تتوالد وتخرج عن السيطرة، ما لم يتم حسمها في وقت مبكر.


تموضعات اليوم
هذه الخلفية تفسر بشكلٍ كبير تموضع القيادات الجنوبية اليوم، سواءً تلك المؤيدة لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، وهم بدرجة أساسية من مناطق الطرف المنتصر في أحداث يناير 1986 (يافع، ردفان، والضالع) بقيادة عيدروس الزبيدي، ومعه عدد من أبناء حضرموت أيضاً (وإن اقتصر على شخصيات معينة ولم يتكرس شعبياً)، أو تلك المؤيدة للرئيس هادي وأغلبهم من أبين وشبوة. وعلى الرغم من كل التفسيرات التي تقدم لتبرير صراع اليوم، فلا تزال العادات الاجتماعية القبلية حاكمةً لتفكير وتصرفات الطرفين، والمؤشر الذي قدمته معارك شبوة أواخر عام 2019، ومعارك أبين الحالية التي استمرت حتى أمس الأول السبت قبل الإعلان عن هدنة لثلاثة أيام بمناسبة عيد الفطر، كافية لإدراك العلاقة مع أحداث الأمس، والدوافع الحقيقية التي تغلفها خطابات الطرفين، في محاولة لتقديم سردية مختلفة وجديدة لمعركة قديمة. فأبسط المعطيات تعكس الإرث الثقيل من الثارات التي يجري توظيفها لمصالح الراهن، مثل الانتماء المناطقي الواضح لقوات كل طرف، ابتداء من ألوية الحماية الرئاسية التي تكاد تكون محصورة على أبناء أبين، وصولاً إلى قوات الحزام الأمني التابعة لـ"الانتقالي الجنوبي"، والتي تتحدر من لحج (ردفان ويافع) والضالع، والأخيرة هي مسقط رأس عيدروس الزبيدي، كما أبين هي مسقط رأس هادي.

اختيار "القاعدة"
لكن أهمية أبين لم تتوقف عند القوى السياسية التقليدية في اليمن، بل إن "الجهاديين" العائدين من أفغانستان بعد عام 1990 كانوا يدركون تلك الأهمية جيداً أيضاً. فقد اختار أبو الحسن المحضار في عام 1998 جبال حطاط في أبين، للتحصن والتدريب وحشد المقاتلين، وتنفيذ أول عملية إرهابية كبيرة في اليمن بعد الهجوم على فندق عدن في عام 1992، حيث استهدفت جماعة المحضار التي أطلقت على نفسها اسم "جيش عدن أبين"، سياحاً غربيين حينها. ووجِهت الحملة العسكرية لضبط الجناة بالسلاح، ما أدى إلى محاكمة المحضار وإعدامه في أكتوبر/تشرين الأول 1999. وكامتداد لتلك الحادثة، اعتبر البعض الاعتداء على المدمرة الأميركية "يو إس إس كول" في عدن عام 2000، انتقاماً لإعدام المحضار، إذ تم في الذكرى الأولى لعملية الإعدام (شهر أكتوبر/تشرين الأول).

اختيار "القاعدة" لأبين واحدةً من أهم حواضنه الاجتماعية، جاء بناء على خلفيات متعددة، تعود الأولى منها إلى وجود عدد من أبناء أبين ضمن ما عرف بـ"المجاهدين العرب في أفغانستان" خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وحتى بعد إعلان "القاعدة" كتنظيم جهادي عالمي. فقد كان ناصر الوحيشي، الشهير بـ"أبو بصير"، والذي تولى قيادة التنظيم الموحد لفرعي اليمن والسعودية (الجزيرة العربية) منذ عام 2009 حتى مقتله بغارة أميركية بطائرة مسيرة على المكلا في 2015، ينتمي لمنطقة مكيراس التابعة لأبين (تمّ ضمها إدارياً إلى البيضاء بعد الوحدة في إطار إزالة آثار التشطير بدمج مناطق جنوبية في محافظات شمالية والعكس). وكان الوحيشي شغل منصب سكرتير زعيم التنظيم السابق أسامة بن لادن حتى الاجتياح الأميركي لأفغانستان في عام 2001، حين فرّ من ذلك البلد عائداً إلى اليمن عبر إيران. 

الخلفية الثانية، تتلخص في عمليات الثأر التي خلفتها سياسة الحزب الاشتراكي اليمني، وقبله "الجبهة القومية". فقد كانت سياسة التأميم وإقصاء وقمع الأسر السلاطينية والقوى الاجتماعية المتدينة، التي أدّت إلى فرار من تبقى من أسر السلاطين وأصحاب الأملاك الواسعة إلى شمال اليمن، أو إلى الخليج عبر الشمال أيضاً. فقد كان هؤلاء يحصلون على جوازات السفر من صنعاء دون تمييز، باعتبارهم معارضين لنظام عدن غير المقبول من قوى الشمال الحاكمة، كما كانت عودة بعضهم ممن شاركوا في القتال بأفغانستان فرصة للانتقام من الحزب الاشتراكي في حرب صيف 1994، وهذا تحديداً ما قام به وأعلن عنه طارق الفضلي، "الجهادي" المتحدر من أسرة سلاطينية والمثير للجدل، بمشاركته في الحرب ضد الحزب وتحالفه مع صالح والجنرال علي محسن الأحمر لدرجة الارتباط مع الأخير بعلاقة مصاهرة، قبل أن يعود إلى تسجيل موقف مختلف من صنعاء والشمال عموماً ضمن موجة القوى الجديدة التي أنتجها الصراع اليمني المستمر.

أما السبب الأبرز والأهم، فهو الإرث الديني الذي تستند إليه أدبيات تنظيم "القاعدة"، حيث تتناقل حديثاً منسوباً للنبي محمد، يشير إلى أن القيامة لن تقوم قبل خروج جيش إسلامي من عدن أبين، يغدقون عليه صفات ذات قداسة تغري الشباب بالانتماء إليه لأسباب دينية، ويحاولون فيه حتى ارتداء الأزياء ورفع الرايات التي وردت في الرواية الدينية، إضافة إلى استغلال الجغرافية الوعرة والواسعة وقليلة السكان والبعيدة عن حضور الدولة وأجهزتها، والتماسك الاجتماعي الذي يدفع القبائل إلى الدفاع عن أبنائها أمام الغير. وأخيراً، عززت الغارات الأميركية بالطائرات المسيرة والأخطاء الكارثية التي ارتكبتها ضد المدنيين، كما حدث في المعجلة خلال 2010، من المشاعر الانتقامية ضدها كراعٍ دولي لمكافحة الإرهاب. فعلى بعد كيلومترات قليلة من زنجبار، عاصمة أبين، لا تزال شعارات "القاعدة" منتشرة على الجدران، ومن ضمنها "كلنا جلال بلعيدي"، وذلك في قرية بلعيدي، القيادي في "القاعدة" الذي قتل بغارة أميركية. كذلك لا تزال آثار الدمار الذي خلفته حروب الجيش مع "القاعدة" في زنجبار ومحيطها، ماثلة للعيان على المباني والعربات المعطوبة، ومن ضمنها سيارة بلعيدي نفسه.

في إطار هذا المعتقد، شكّلت جعار وزنجبار في أبين هدفين مستمرين سعى التنظيم لتطبيق نموذجه لدولة الخلافة الإسلامية فيهما خلال العامين 2011 و 2012، وسيطر عليهما لمدة عام كامل حينها، قبل أن تنجح قوات بقيادة اللواء سالم قطن بإخراجهم منهما في 12 يونيو/حزيران 2012، بعملية سميت "السيوف الذهبية". ولم تمر أيام قليلة على هذه العملية، حتى قام التنظيم باغتيال اللواء قطن في عدن انتقاماً، ما قدم مؤشرا على استمرار قدرة التنظيم على الانتقام من خصومه، إلا أنه خسر في تلك المغامرة أعداداً من عناصره أكثر من أي معركة أخرى، ليزيد عدد قتلاه عن 420 قتيلا. في المقابل مثلاً، لم يفقد التنظيم حتى مائة عنصر وفقاً لأغلب الروايات المحلية، خلال سيطرته على المكلا لمدة عام كامل (إبريل/نيسان 2015 - إبريل 2016) ومعركتي الدخول إليها والخروج منها. وكان "القاعدة" قد فجر عددا من المفخخات ضد معسكرات الجيش وقتل منهم العشرات، خصوصاً في هجوم دوفس (ضواحي زنجبار) الذي حدث بعد أسبوعين فقد من انتخاب هادي رئيساً مطلع مارس/آذار 2012، كما عاود التنظيم السيطرة على زنجبار أواخر عام 2015، ليقطع الطريق الرابط بين عدن وحضرموت أشهراً عدة، تزامنت مع سيطرته حينها على المكلا.

على الرغم من دورها وأهميتها، ومن كل الخلفيات التي يمكن استدعاؤها من قبل أطراف الصراع اليمني، تظل أبين منطقة يمنية تتوق إلى السلام والاستقرار، لكن الدعاية والتحشيد والتضليل تُقحم أبناءها في معارك لا تخدم منطقتهم ولا مستقبلهم، وهو أمر ينطبق على أبناء الضالع وردفان ويافع أيضاً. القضية الجوهرية هي توظيف أطراف الصراع وأصحاب المصلحة للتاريخ من أجل أهدافهم. ربما يشبه الأمر استدعاء الجماعات الإرهابية للموروث الديني من أجل أهدافها، ومع هذا، فلا حسم في ملف الجنوب سلماً أو حرباً، بدولة مستقلة أو ضمن دولة اتحادية، دون دور جوهري لمحافظة أبين، الجغرافية والإنسان.