أبو محمد: هكذا عبرنا الموصل وسط الجحيم

27 يوليو 2017
(العربي الجديد)
+ الخط -
على وقع دوي المدافع والصواريخ وأحزمة داعش الناسفة داخل أزقة الموصل، خرج أبو محمد(42 عاماً) مع زوجاته الثلاث وأطفاله من الموصل نحو مخيمات النزوح المنتشرة على مشارف المدينة هرباً من الموت وجحيم الحرب التي أحرقت كل شيء حولهم.

يقول أبو محمد: "خرجنا من بين فكي الموت ولم نكن نعرف أين نتجه. كانت الصواريخ والقذائف تسقط من السماء وتحيل كل شيء إلى نار وأكوام من الحجارة". يضيف لـ"العربي الجديد": "كل شيء في طريق الهرب كان يعني الموت المحتوم أو النجاة بمعجزة، فالطرق ملغمة بالعبوات الناسفة والقصف متواصل من الجو والأرض، ومئات الأسر تهرب من منازلها في مشهد كأنه يوم القيامة".

يتابع: "كانت رحلة الهروب من جحيم الحرب في المدينة مرعبة جداً فقد مشينا عشرات الكيلومترات على الأقدام بين الجثث وبقاياها المتناثرة والسيارات المحترقة والمنازل المدمرة بالكامل. كنا ننطق الشهادة على طول الطريق إذ لا نعرف في أية لحظة يسقط علينا صاروخ أو قذيفة مدفع أو ينفجر تحتنا لغم أو يقتلنا قناص. قبل خروجنا شاهدنا أهوالاً فلا طعام ولا شراب ومن يتعرّض للإصابة ينزف حتى الموت. قتل أمام عيني عشرات المدنيين نساءً وأطفالاً. وما ترك أثراً في نفسي أنني لم أستطع فعل أي شيء لهم ولا حتى لأطفالي".

زوجات أبو محمد في المخيم وجدت كل واحدة منهن خيمة، وقد بدت عليهن بعض علامات الطمأنينة رغم قسوة حياة المخيم وحرارة الجو الشديدة. أما أطفال أبو محمد فيشعرون بشيء من الحرية التي تسمح لهم باللعب بين الخيام. تبدو الألفة واضحة على زوجاته الثلاث، فهن تشاركن في المآسي التي مرت وشاهدن سوياً كوارث لم يسبق لها مثيل.

يحاول أبو محمد وزوجاته الثلاث التأقلم مع وضعهم الجديد في المخيم معتبرين أنهم كانوا محظوظين بخروجهم أحياء مع أطفالهم من الموصل. ويعتبر أبو محمد أن مأساته قد تكون أقل من غيره ممن فقدوا أسرهم بكاملها أو عدداً من أفرادها أو فقدوا أطفالهم كما هو حال عدد من جيرانه في المخيم. يستذكر وهو ينظر إلى أطفاله ما حصل لمدينته فيبكي على الموصل وآثارها وأحيائها التي دمرتها الحرب وأحرقتها، ثم يمسح دموعه ويعود ليبتسم من جديد معتبراً ان الأمل مازال موجوداً رغم الكارثة التي حلت بالمدينة.

لا يخفي أبو محمد خشيته وخوفه من قادم الأيام، فقد أصبح مصير أهالي الموصل مجهولاً وعند عودتهم إلى مدينتهم لن يجدوا شيئاً، فكل شيء مدمر ومحترق وقد فقدوا كل ما يملكون خلال الحرب. وهو الشعور نفسه الذي يشاركه آلاف النازحين مع أبو محمد في المخيمات. فهم لا يعرفون مصيرهم ولا يعرفون مصير ذويهم الذين فقدوهم خلال رحلة النزوح والهرب من جحيم الحرب في المدينة.
المساهمون