أبو عادل... عيّنة عن قصص مآسي تهجير الموصل

01 يناير 2016
بات الهمّ الأكبر البقاء على قيد الحياة (يونس كيليس/الأناضول)
+ الخط -
لم يكن أبو عادل، وهو اسم مستعار، المتضرر الوحيد من بين نازحي محافظة الموصل، الذين فرّوا باتجاه إقليم كردستان، شمالي العراق، بسبب العمليات العسكرية وسقوط المدينة بيد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، صيف 2014، لكنه من بين أكثرهم تضرراً.

أبو عادل (67 عاماً)، أحد أثرياء الموصل، يملك مشاريع وأعمالاً عديدة في المدينة، اضطره ما حصل للموصل وسقوطها تحت سيطرة تنظيم "داعش" إلى ترك كل شيء خلفه، بعد أن صار الهمّ الأكبر ينحصر في المحافظة على الحياة والنجاة بأرواح عائلته الكبيرة.

تفاصيل حكاية أبو عادل موجودة عند أبو أحمد، صديقه المقرّب، الذي تحدث عن قصص كثيرة لأهالي الموصل، لكنه متأثر بقصة أبو عادل، التي وصفها وهو يروي تفاصيلها لـ"العربي الجديد"، بأنها "مأساة". ويوضح أن "أبو عادل أحد أعيان المدينة وكبارها، فهو سليل عائلة لها ثقلها الاجتماعي في الموصل، ويسكن في مزرعته عند الجانب الأيسر للمدينة، مع جميع أولاده المتزوجين والعزاب. وكان يغدق على المحتاجين، ويسعى لأجل الخير".

ويضيف أبو أحمد أن "أبو عادل أب لـ12 ولداً، 8 شبان و4 فتيات، بعضهم متزوج وله أحفاد، ويمتلك عقارات عدة، من بيوت ومبانٍ ومشاريع مختلفة، وكان آخرها إنشاؤه معملاً للغزل والنسيج، الذي أنفق على تأسيسه كل ما كان يملكه من سيولة نقدية، وذلك قبيل سقوط الموصل في يد التنظيم بفترة قصيرة". ويشير أبو أحمد إلى أنه "كان يعمل مع صديقه المقرّب لأكثر من 25 عاماً، وقد عرفتُ عنه خصالاً حميدة كثيرة، وسبق أن بنى مسجداً في الموصل، كما تكفّل بزواج اثنين من أولادي".

اقرأ أيضاً: وثيقة: تنظيم الدولة أجاز نقل أعضاء من أسراه

لكن أبو عادل، الذي يسكن اليوم في بيت متهالك عند أطراف مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان، لم يكن ينوي الحديث عن قصته، بعد أن تعرّف إليه مراسل "العربي الجديد"، حتى أنه اشترط التحفّظ على الأسماء. وقد افتتح أبو عادل، الذي تشير تقاسيم وجهه إلى الوقار والترف، على الرغم من أخاديد الحزن التي رسمتها الأوجاع المرّة وما عاناه أخيراً، حديثه قائلاً "منذ اللحظة التي هرب فيها الجيش العراقي من المدينة، تاركاً كل أسلحته ومعداته قبل دخول داعش، تيقّنتُ أن الموصل قد بيعت. مع ذلك كنت أمنّي النفس بأن الأمر ليس سوى غمامة ستزول قريباً، لتعود بعدها الموصل أجمل بقاع الأرض. غير أن كل تلك الأمنيات تهاوت في صباح أحد الأيام، عندما جفلنا من النوم على أصوات انفجارات داخل المزرعة التي نعيش فيها، وكان سببها سقوط 12 قذيفة هاون، ضربت بعضها البيت. ما تسبب بمقتل ابنتي بشرى (18 عاماً) وإصابة ابني ساجد (26 عاماً) إصابات خطيرة، خرج منها بشلل نصفي".

ويسترسل أبو عادل على الرغم من الدموع المنهمرة من عينيه، واختفاء صوته: "نصحني أحد الأطباء بنقل ولدي إلى أربيل لإجراء عملية له هناك. بالفعل حزمنا الأمتعة وانطلقنا لمغادرة المدينة، موزّعين على خمس سيارات، وعند وصولنا إلى مخارج المدينة وجدنا مئات الأسر تحاول المغادرة أيضاً، ولكن تنظيم داعش يمنعهم".

ويتابع: "بعد ساعتين توجّه إلينا أحد عناصر داعش الموجودين في نقطة التفتيش، كان يعرفني، وتحدث معي بأدب، وطلبت منه مساعدتي في الخروج مع عائلتي، وأعلمته بحال ولدي المريض وضرورة خروجه من المدينة. لكن الشاب ردّ بأنه يسمح فقط لي ومن معي من النساء والأطفال بالخروج، أما الشباب فلا، معتبراً أنهم على أبواب معارك مع القوات الحكومية وسيحتاجون إليهم".

وقعت تلك الكلمات على أبو عادل كالصاعقة، فهو لا يحتمل أن يخسر أحد أولاده، خصوصاً في قضية لا يؤمن بها: "رحت أتوسل وزوجتي بأن يسمحوا لنا جميعاً بالخروج، عندها أومأ إلى الشاب بتحريك رأسه قائلاً اتبعني، فتبعته وبمعزل عن الناس قال لي ادفع 250 ألف دولار وستذهبون بسلام. قلت له لا أملك هذا المبلغ، فردّ قائلاً: نعرفك يا أبو عادل جيداً ونعلم أنك تملك مالاً تشتري به الموصل كلها".

في تلك الحمأة، لم يعد للمال قيمة أمام الهروب مما يدور في الموصل، وشجّعت زوجة أبو عادل زوجها في أن يدفع للتنظيم، حتى نجحوا بالخروج جميعاً بعد إقناع الشاب بمبلغ 150 ألف دولار، مع التخلّي عن إحدى السيارات، وانطلقوا نحو أربيل، ناجين بأرواحهم.

ويضيف أبو عادل "حين وصلنا لأربيل، كان همنا أولاً إنقاذ أبني، الذي أُجريت له ثلاث عمليات في مستشفيات خاصة، جميعها باءت بالفشل، وظلّ ولدي ساجد مشلولاً، بعد أن استنفدت تلك العمليات كل ما لدينا من نقود".
مرّ عام ونصف العام من الزمن على أبو عادل في أربيل، باع خلالها السيارات الأربع التي نقلت عائلته من الموصل، كما باع ما حمله من حلي ومجوهرات. وبعد اعتيادهم على حياة رغيدة، ما كان أمامهم إلا أن يسكنوا في بيت متهالك، بأطراف أربيل، ولم يعد بمقدورهم استئجار منزل متواضع حتى، وما يستعينون به في توفير قوت يومهم يرِدهم عن طريق اثنين من أولاده، يعمل أحدهما أجيراً في محل لبيع الدهانات، والآخر عاملاً في مطعم.

ويختم أبو عادل سرد مأساته قائلاً: "الحياة تزداد صعوبة وقساوة علينا. كنت دائماً أستغل أموالي بتحويلها إلى عقارات ومشاريع في الموصل، آخرها كان معمل الغزل والنسيج الذي أنفقت على إنشائه كل ما كنت أملك من سيولة نقدية، وأنا على استعداد لبيع تلك العقارات والمشاريع بأي ثمن، ولكن لا بيع ولا شراء في الموصل، لا سيما بعد أن كتب تنظيم داعش عليها عبارة: وقف للدولة الإسلامية".

اقرأ أيضاً: عودة رُعب سدّ الموصل... فرضيّة الخيار الانتحاري لـ"داعش" قائمة