أبو ظبي لدبي: الأمر لي

29 أكتوبر 2014
خلال معرض استثماري في أبو ظبي (كريم صاحي/فرانس برس)
+ الخط -
سؤال يدور في خلد كل من يتابع أخبار دولة الإمارات العربية المتحدة: لماذا أنقذت أبو ظبي منذ أعوام دبي، بعدما كانت غارقة في أزمة مالية ضخمة؟ وما سر التنافس الاستثماري والاجتماعي وحتى الثقافي المستمر بين الإمارتين، برغم عملية الإنقاذ هذه؟ 

يأتي الجواب على لسان أكثر من خبير اقتصادي ومطلع على هذا الملف: أبو ظبي ودبي وجهان للإمارات العربية المتحدة. تتنافسان اقتصادياً في العلن، لكن في السر، الاقتصاد ليس سوى وجه من أوجه الصراع حول دور الصدارة والهيمنة على القرار الاقتصادي كما السياسي في دولة الإمارات من قبل رجل الامارات القوي ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.

الصورة الظاهرة حالياً، هي أن دبي وجهة للاستثمارات الأجنبية، وأبو ظبي حقل خصب لتطوير المشاريع المحلية، عبر الاستثمارات في الطاقة ومؤسسات الدولة. مؤهلات، مكّنت الإمارتين من جذب آلاف الشركات، ومليارات الدولارات في مجالات اقتصادية عديدة. مجالات تبدأ بالنفط لتمر عبر العقارات والاتصالات وصولاً إلى المجال الخدماتي.
نحو 100 مليار دولار، هي قيمة ما تم إنفاقه في العاصمة أبوظبي بين نهاية سنة 2012 و2014. ما يعادل موازنة دول أفريقيا مجتمعة لسنوات عديدة. قوام هذه الاستثمارات الضخمة، مشاريع متنوعة في مجالات النفط، البنية التحتية، العقار، والمنشآت الرياضية والترفيهية.

وقد اعتمدت أبو ظبي بشكل كبير على القدرات المحلية والثروات الوطنية لتمويل مشاريعها التي تواجه المد الاستثماري في دبي. إلا أن الأخيرة، واقعة تحت سيف صفقات ضخمة أنفقتها أبو ظبي، أنقذت الوضعية المالية والاقتصادية لإمارة دبي من جهة، وعززت هيمنة أبو ظبي على مقدرات الامارات من جهة أخرى.

حيث يعتبر المهتمون أن أبو ظبي، انتشلت دبي من الفقاعة العقارية الكبيرة التي أصابتها في العام 2010، وأعادتها إلى الخارطة العالمية، عبر بوابة جذب الاستثمارات الأجنبية. في حين ركزت أبوظبي خلال هذه الفترة، على إقامة المشاريع النفطية الضخمة، وتطوير البنى التحتية، وتنفيذ المشاريع العقارية العملاقة، ومشاريع الطاقة الشمسية.

يقول رئيس مجلس إدارة شركة "أتش أم جي" العقارية عبدالعزيز حسان حوحو: "أبوظبي تتعامل في السنوات الماضية على أنها الأب الروحي لإمارة دبي". والسبب حسب تصريحه لـ"العربي الجديد": "حجم المساعدات الكبيرة التي منحتها أبو ظبي لدبي إبان الأزمة المالية العالمية في العام 2008، اضافة إلى اخراجها من الفقاعة العقارية التي أصابتها في العام 2010".
ويشير حوحو إلى أن الثروات النفطية المتركزة في أبوظبي، تجعلها بمثابة الشريك الرئيسي في تطوير الإمارات الأخرى في دولة الإمارات العربية".
ويتابع حوحو تفسيره لـ "فضل" أبوظبي على باقي الامارات. حيث يذكر الاستثمارات التي جذبتها أبو ظبي في السنوات الخمس الماضية الى الدولة: "لقد جذبت أبو ظبي أكثر من 250 مليار دولار على شكل استثمارات مباشرة وغير مباشرة، شملت مشاريع متنوعة، أبرزها افتتاح عشرات شركات السيارات فروعاً لها فيها". وتشمل هذه المشاريع، بحسب حوحو، اجتذاب شركة "الفيراري" باستثمار بلغت قيمته نحو 5 مليارات دولار". اضافة الى مشاريع جعلت من الإمارات الموزع الرئيسي للسيارات الفارهة في المنطقة.

ومن جهته، يرى رئيس مجلس شركة “الاستثمار المباشر” سعيد قدومي، أن أبوظبي تركز في عملها على استثماراتها المحلية، في حين تذهب دبي لجذب الاستثمارات الأجنبية. ويشير إلى أن تركز النفط والغاز في أبو ظبي يساعدها في الاعتماد على نفسها وضخ الأموال في الإمارات الأخرى.

ومن ناحية أخرى، يشير قدومي في تصريح لـ "العربي الجديد"، إلى أن بعض القوانين في دبي مثل حق التملك للأجانب، المنطقة الحرة المباشرة، حق شراء العقارات، الإعفاءات الضريبية، ورخص الأسعار، بالإضافة إلى فوزها بتنظيم معرض إكسبو 2020، عوامل عديدة تساعدها على جلب الاستثمارات الاجنبية إليها. وذلك، بدلاً من أبوظبي التي تركز في نشاطها على النفط وصناعة البتروكيماويات، وإقامة محطات تعمل بالطاقة الشمسية وغيرها.
ومن جهته، بيّن المسؤول في شركة عقارية نواف المحمد، الفارق بين دبي وأبوظبي، والذي يكمن في أن هذه الأخيرة، تعتمد على النفط كي تمول مشاريعها، أي تعتمد على القدرة الذاتية. في حين تعتمد دبي على الاستثمارات الأجنبية، وعلى تسهيل القوانين التي جعلتها تجذب العديد من الشركات في السنوات الماضية.

ويقول المحمد إن أبوظبي، وعلى عكس دبي، لديها قدرات مالية هائلة، ولا تحتاج إلى القروض من أجل تمويل مشاريعها الكبرى، يحيث إنها تكاد تكون من دون ديون في الإمارات العربية المتحدة.
وعن سبب تدفق الاستثمارات إلى دبي بشكل أكبر من أبوظبي، يشير المحمد إلى أن فوز دبي بتنظيم "إكسبو 2020" لعب دوراً مهماً في زيادة ثقة الشركات الإماراتية وغير الاماراتية، لتنفيذ مشاريعها بعيداً عن أبوظبي.
في المقابل، أين تكمن قوة استثمارات أبوظبي؟ الجواب بحسب شركة "المزايا القابضة" التي تعد من أكبر المستثمرين في العاصمة، وهو "حجم المشاريع الضخمة، التي نفذت الشركة العديد منها في الفترة الأخيرة، من بينها شاطئ الراحة بقيمة 53.94 مليار درهم، وشمس أبوظبي بنحو 25 مليار درهم، ومشروع توسعة مطار أبوظبي 24.9 مليار درهم. ومشروع مدينة محمد بن زايد بقيمة 14 مليار درهم، ومشروع نجمة أبوظبي بقيمة 30 مليار درهم".
وتتوقع الشركة ذاتها، انجاز استثمارات مستقبلية ضخمة في قطاع العقارات بأبوظبي، بمبالغ مهمة خلال الفترة القريبة المقبلة. الأمر الذي بدأ فعلياً على أرض الواقع من خلال بعض المشاريع التي تم الإعلان عنها، وبوشر العمل بها.

نقطة قوة أخرى تتميز بها أبوظبي، وتتمثل في صناديقها الاستثمارية، حيث يعد "صندوق هيئة أبوظبي للاستثمار المباشر" واحداً من أهم الصناديق المالية في العالم. ويحتل الصندوق المراتب الأولى بأصوله التي تتجاوز 628 مليار دولار، متفوقاً على الصندوق الفرنسي والصندوق الألماني، وهما من أضخم صناديق الاستثمار في الدول الأوروبية.

وشهدت الفترة الأخيرة، ترقية الأسواق المالية في أبوظبي ودبي إلى مؤشر "مورغان ستانلي" للأسواق الناشئة. الأمر الذي ساهم في جذب العديد من الشركات الأجنبية للاستثمار فيهما، وسط توقعات النقاد والمتابعين بأن تشهد الفترة المقبلة زيادة في عدد الشركات الأجنبية التي تفتتح فروعاَ لها في إماراتي دبي وأبوظبي، بالإضافة إلى جذب استثمارات بمليارات الدولارات، لتجعلها المركز الآمن لتدفق الاستثمارات في المنطقة.

ومن هنا، يتفق الجميع على أن أبوظبي وبحكم اعتمادها على النفط، تبقى بعيدة نسبياً عن جذب الاستثمارات الأجنبية. وينظر المتتبعون اليوم إلى أبوظبي، على أساس أنها تعلمت من تجربة دبي، ما حال دون وقوعها في الكارثة نفسها، التي حلت بها سنة 2010، على هامش الأزمة المالية العالمية في 2008. في حين تسعى الإمارة إلى استخدام ثروتها وقدراتها المالية لإحكام السيطرة على دبي، ولتعظيم نفوذها الاقتصادي والإداري والتقريري... والسياسي.
دلالات
المساهمون