* اقتربت الذكرى السنوية الأولى لـ30 يونيو/حزيران وانقلاب 3 يوليو/تموز، فكيف تقيّم العام المنصرم؟
أعتبر أنه كان من أسوأ الأعوام التي مرّت على مصر خلال العقود الماضية، للنسب المرتفعة في أعمال القتل والانتهاكات الحقوقية وغياب القانون، إضافة إلى الانقسام المجتمعي غير المسبوق، في تاريخ مصر الحديث.
* بعض الذين يشاركون في المسيرات المعارضة للحكم الجديد، شاركوا في 30 يونيو، ولكنهم يشعرون بالندم الآن لمشاركتهم، فهل أنت نادم على مشاركتك فيها؟
كل يوم أزداد يقيناً بأن الحلّ الوحيد الذي كان متاحاً لخروج مصر من أزمتها ولتجنّب انقلاب عسكري أو فوضى شاملة، كان يتمثّل في إجراء انتخابات رئاسية مبكرة أو إجراء استفتاء على الرئيس، حتى نحافظ على المسار الديمقراطي، وهذا هو السبب الوحيد الذي أعلنّا من خلاله النزول في مظاهرات 30 يونيو، وهو ما دعانا الى التواصل مع الرئاسة وقيادات الإخوان، لإقناعهم بالتجاوب لمطالب الجماهير، التي لم تكن لتتحمل مزيداً من الفشل والعجز في إدارة البلاد، وهو السبب عينه الذي دعانا لرفض انقلاب 3 يوليو، لأنه انقلاب على مطالب الجماهير التي انحصرت في عقد انتخابات رئاسية وفق المسار الدستوري.
لذا فقد كان تصلّب طرف في غير محل التصلّب، ومطامع طرف آخر على حساب مصلحة البلاد العليا، السبب فيما وصلنا إليه من توقف المسار الديمقراطي وعودة الدولة البوليسية، ولم يكن السبب في ذلك من نزل مطالباً بحق شعبي ودستوري أصيل.
* يوم 28 من يناير/كانون الثاني 2013، ذكرت أنك لن تشارك في أية فعالية شعبية تتعاون مع "بلطجية" الرئيس المخلوع، حسني مبارك، بهدف إسقاط النظام الشرعي بالقوة أو إحداث فوضى تؤدي إلى انقلاب عسكري، هل كانت لديك معلومات جعلتك تشعر بإمكانية حدوث ذلك حينها؟
كان المشهد واضحاً للعيان، ولم يكن يحتاج الى قراءة خاصة حتى نرى ذلك، ولكننا كنا ندرك أيضاً أن هؤلاء لا يعملون في الفراغ خارج مؤسسات الدولة العميقة وأدواتها الأمنية، ولا يتحركون دون توجيه ممن وثق فيهم، الرئيس المعزول، محمد مرسي، وجماعة الإخوان، حتى تركوا لهم الحبل على الغارب، بل كافأوهم وزادوا من مرتباتهم، ثم عينّوهم وزراء وأعضاء في مجلس الشورى، حتى تم وصفهم بقلب ثورة يناير.
كنا وقتها نعتبر أن الفرصة ما زالت سانحة لدى الرئيس ليصحح أخطاءه وليجمع حوله القوى الوطنية والثورية، بدلاً من مصالحة الفاسدين والمجرمين من أبناء نظام مبارك، لذا كنا نفضل وقتها أن يبقى في موقعه وأن نحاول مرة ثانية وثالثة، ولكنه أصرّ على خذلاننا جميعاً بتبنيه مواقف تفرّق ولا تجمّع، ولاختياره التحالف مع أعداء الثورة، بدلا من أبنائها حماية لما كان يظنونه من مصالح جزئية سرعان ما خسروه.
* هل تواصلت مع "الإخوان المسلمين" منذ 30 يونيو وحتى الآن؟
حدث تواصل ما بين ٣٠ يونيو و٣ يوليو، وبعدها لم يحدث أي تواصل رسمي إلا من خلال اتصالات شخصية مع بعض الأصدقاء، من دون التطرّق الى الوضع الحالي.
* هل حاولت السلطة التواصل معك بعد 3 يوليو، وهل عرض عليك أي منصب في الدولة؟
لم يعُرض عليّ أي منصب في الدولة، في أي وقت، لا في عهد مرسي ولا بعد ٣ يوليو، ولم أكن لأرحّب بمناصب رسمية، ولكنني عرضت المساعدة من دون مناصب.
أما بعد 3 يوليو، فقد حدث تواصل وحيد مباشر مع الرئيس المؤقت، عدلي منصور، في اجتماع ضمه مع الدكتور محمد البرادعي، وبعض الشخصيات الأخرى، وحضرت بعد استشارة بعض الشخصيات السياسية والمكتب السياسي لحزب مصر القوية، كمحاولة لفرض عودة المسار الديمقراطي، إما من خلال استفتاء على الرئيس أو استفتاء على خريطة الطريق، وهو ما لم أفلح فيه، ثم أتت عملية القتل الجماعي أمام الحرس الجمهوري، لتكون فاصلة في قطع العلاقة تماماً مع مثل هذا النظام ورموزه.
* كيف تقيّم أداء التحالف الوطني لدعم الشرعية خلال العام الماضي، وهل يوجد تنسيق بينك وبينهم؟
لست منشغلاً بتقييم أداء التحالف أو غيره، ولست على تواصل مباشر مع كيان التحالف، ولكني أدعوهم كما أدعو غيرهم من القوى السياسية، أن يضعوا مصالح مصر والمصريين فوق أي اعتبار آخر، وأن يحافظوا على السلمية في تجمعاتهم وتحركاتهم، وألا ينجرّوا الى العنف أو أن يبرروا له مهما كانت الظروف والأحداث لأن النار ستحرق الجميع بلا تمييز إذا دخلت البلاد في مرحلة من العنف والعنف المضاد.
* كيف تقيّم أداء القوى الإسلامية المؤيدة للسيسي؟
إن كنا نتحدث على المؤسسات الرسمية كالأزهر، فأنا أدعوها أن تتوقف عن التورط في الانحياز السياسي الى أي طرف، حفاظاً على دورها ومنعاً لاستغلال الدين في مساحة التنافس السياسي.
أما إن كنا نتحدث عن قوى سياسية، فلكل قوة الحق في تقدير الموقف السياسي الذي تراه، ولكن عليها أن تدرك أنها ستحاسب أولاً أمام الله ثم أمام التاريخ على أية مباركة أو تأييد لسفك الدماء أو انتهاك الحقوق، ويزيد هذا الحساب بالطبع على هؤلاء الذين يدّعون تمثيلهم الدين.
* كيف تقرأ مواقف العالم الخارجي إزاء مصر في المرحلة الراهنة؟
لم أعوّل كثيراً على العالم الخارجي سلباً أو إيجاباً، لأن هذه الدول لا تحركها إلا مصالحها، التي قد تتقاطع مع هذا النظام أو ذاك وفقاً لحساباتها الخاصة، لذا فقد كانت سذاجة مفرطة أن يبني بعض حساباته على أن الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي سيقف مع المبادئ والديمقراطية حتى لو تعارضت مثلاً مع مصالحها.
* ما رأيك فيما طُرح بخصوص المصالحة مع النظام، وتعويض أهالي الشهداء الذين قضوا عقب الانقلاب عن طريق الدية الشرعية؟
لا حديث جدّي حتى الآن عن مصالحة أو مسار للمصالحة، ولكننا نرحب قطعاً بأية خطوة في هذا الاتجاه حتى تحقن الدماء وتتوقف الانتهاكات ويفرج عن المظلومين، على أن تكون المصالحة حينئذ وفق منظومة متكاملة موحدة للعدالة الانتقالية تحفظ حقوق الدم وتحاسب المجرم وتعوض المصابين وأهالي الشهداء.
* ما رأيك في بيان القاهرة؟ وهل أنتم على استعداد للتعاون مع من وضعوه؟
أثمن ما جاء في البيان وأقدر واضعيه، وأنا على استعداد للتعاون معهم ومع غيرهم لتحقيق التحول الديمقراطي في مصر، ولتحقيق أهداف الثورة والعدالة الانتقالية، ولكن لا بد أن يكون همنا الشاغل هو تحقيق اصطفاف وطني حقيقي من خلال الممارسة والتوحد في المواقف قبل البيانات.
* هل ترى أن عودة مرسي ضرورية لاستعادة الشرعية الدستورية والمسار الديمقراطي؟
هذا أمر تجاوزه الواقع وتجاوزته الظروف، والأولى الانشغال بعودة الحرية والديمقراطية وتحقيق أهداف الثورة من حرية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية، بدلا من التوقف طويلاً عند نقطة اختلاف، تفرق ولا تجمع.
* هل ستخرج في تظاهرات شعبية لإسقاط السيسي؟
وعي الناس بحقوقهم ومطالبهم هو الذي يسقط أي رئيس متعد على حقوق المصريين ومتجاوز لأهدافهم، وبالتالي لن يسقط رئيس ظالم بتظاهر أفراد حزب أو جماعة، مهما زاد عددهم ولكن يسقطه توحد الشعب ضده إذا تجاوز المدى، لذا فنحن نرى أن الوعي هو عنوان المرحلة والمانع لأي عدوان أو طغيان.
* هل ستشاركون في الانتخابات البرلمانية المقبلة؟
الأصل أن تشارك الأحزاب في الانتخابات البرلمانية باعتبارها فرصة للتواصل مع الشعب وتوصيل الأفكار والبرامج والمشاركة في عملية الوعي المطلوب، لذا فاتجاهنا نحو المشاركة، ولكن يبقى القرار النهائي متوقفاً على قراءة المشهد السياسي بشكل متكامل، بما فيه من قوانين وفرص وتحديات وإمكانات، وكذلك توافر أجواء ديمقراطية ولو في حدّها الأدنى على الأقلّ.
* ما هي آفاق رؤيتكم لإعادة اللُّحمة الوطنية بين القوى السياسية؟
ما زلنا على تواصل مع جميع القوى السياسية بكافة أطيافها وخصوصا تلك التي تقف على أرضية وأهداف الثورة، وما زلنا نحاول رغم ظروف الاستقطاب السياسي الهائل، الاتفاق على الحد الأدنى المشترك بين هذه القوى حتى يحدث اصطفاف وطني جاد ومؤثر كما حدث في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط ٢٠١١.
* في رأيك، هل يمكننا العودة الى روح ثورة يناير وتوحيد الصف الثوري من جديد؟
ما زلت متفائلاً رغم التحديات والصعاب، ويزيدني تفاؤلا هؤلاء الشباب الذين لا يزالون محافظين على إصرارهم في غد أفضل.