أبوظبي واللعب بالنار

18 سبتمبر 2020
+ الخط -

هل تذكرون مسلسل "صح النوم" الذي يردد فيه حسني البورزان (الفنان السوري الراحل نهاد قلعي) مستهل مقالٍ يريد أن يكتبه، طوال الحلقات، "إذا أردنا أن نعرف ما في إيطاليا علينا أن نعرف ما في البرازيل"؟. تحضر هذه العبارة، عند محاولة فهم الذي جرى في حديقة البيت الأبيض يوم 15 سبتمبر/ أيلول الجاري، ووُصف بحفل توقيع اتفاقيات سلام تاريخية بين إسرائيل ودولتين عربيتين. ولفهم ما جرى في واشنطن، علينا أن نفهم ما الذي جرى خلال السنوات الأخيرة، ويجري حالياً في مناطق أخرى من الإقليم، بدءاً من دعم أبوظبي انقلاب عبد الفتاح السيسي على ثورة يناير المصرية، وصولاً إلى احتلال جزيرة سقطرى اليمنية، ومحاولات احتلال ليبيا عبر الجنرال خليفة حفتر، مروراً بكل محطات قيادة الإمارات الثورة المضادة للربيع العربي.

الواضح أن الوصول إلى محطة التوقيع العلني بين الكيان الصهيوني والإمارات لم يكن إلا تتويج سنوات طويلة من العلاقات السرية، لعبت فيها أبوظبي دور العميل السّري لتنفيذ مخطط إسرائيلي للانتشار في المنطقة العربية، مع وضع اليد على مواقع جيواستراتيجية تصبح في المستقبل قواعد عسكرية وأمنية متقدّمة تُحكم يد إسرائيل في الشرق الأوسط، وتُمكّن إسرائيل من القيام بدور الشرطي في المنطقة، وهو الدور الذي رسمته الدول الغربية للكيان، منذ بدأ التفكير الاستعماري في فوائد وعوائد إنشاء دولة إسرائيل في فلسطين قبل مائة عام. 

أحداث كثيرة جرت منذ العام 2011، عام انفجار الثورات العربية، أبرزها، يوم فاجأ الرئيس المصري شعبه بقرار إعطاء جزيرتي تيران وصنافير للسعودية خلال أول زيارة رسمية للملك السعودي سلمان بن عبد العزيز إلى القاهرة، يوم 7 أبريل/ نيسان 2016. وقال السيسي آنذاك إن الجزيرتين تقعان في المياه الإقليمية للمملكة، وكان الملك عبد العزيز آل سعود قد طلب من مصر في يناير/ كانون الثاني 1950 توفير الحماية للجزيرتين خوفاً من أن تحتلهما إسرائيل. وحتى نفهم توقيت إعادة ترسيم الحدود بين البلدين، والتخلي المصري عن حماية الجزيرتين الواقعتين في أعلى البحر الأحمر، علينا فهم ماهية ما يجري حالياً في أرخبيل سقطرى الواقعة أدنى البحر الأحمر، وعلى بوابة خليج عدن، حيث تُقام القواعد الإماراتية بخبرات إسرائيلية. والخيط الرابط بين تخلي مصر عن تيران وصنافير، واحتلال الإمارات أرخبيل سقطرى، هو الخيط نفسه الممتد عبر محاولات أبوظبي السيطرة على موانئ إستراتيجية، بدءاً من جيبوتي إلى إريتريا، حيث استأجرت الإمارات ميناء ومطار عصب على البحر الأحمر 30 عاما، مروراً باستئجار ميناء بربرة في إقليم أرض الصومال. وفي الجانب الآخر من الخريطة، يمتد النشاط الإماراتي لشق طريق أخرى للنفوذ الإسرائيلي عبر الأراضي الليبية، لتكون ليبيا إذا ما تمكّن منها وكيل الإمارات هناك، الجنرال خليفة حفتر، قاعدة متقدمة لإسرائيل شرق المتوسط وجنوبه، وعلى مرمى حجرٍ من الجمهورية الجزائرية التي تغرّد خارج السرب الإماراتي.

بسلوكها المتهور والمغرور، وغرق حاكميها في جنون العظمة، تستفز أبوظبي قوتين أصيلتين في الإقليم، إيران وتركيا، لا تخفيان غضبهما من الخطوات الإماراتية المستفزة. ترى إيران خطوات التطبيع بين الإمارات وإسرائيل تهديداً حقيقياً لأمنها القومي، وتحذّر أبوظبي من استخدام أراضيها لإقامة أي قواعد عسكرية أو أمنية لإسرائيل. في المقابل، لا تخفي أنقرة غضبها من سلوك أبوظبي المُتهمة بالتورّط في تدبير محاولة الانقلاب على الرئيس رجب طيب أردوغان في صيف العام 2016، والمتورّطة بدعم الجنرال خليفة حفتر الذي يقاتل حكومة الوفاق الشرعية والمدعومة من تركيا. 

ما اقترفته أبوظبي سراً خلال السنوات العشر الأخيرة، وعلناً قبل أيام وأسمته اتفاقاً تاريخياً للسلام، هو في حقيقته توريط للمنطقة في أتون صراعاتٍ كبرى، لا قُدرة لأبوظبي الصغيرة عليها، حتى وهي تحتمي بحليفتها إسرائيل.

AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.