أبوظبي أمام نتائج فشل الحملة على قطر

18 يوليو 2017
فشل ذريع للحملة ضد قطر (فرانس برس)
+ الخط -

حين تسرب عام 2009، خبر اختراق جهاز أمن أبوظبي لدائرة الحماية الضيقة المحيطة بسلطان عمان، قابوس بن سعيد، لم يكن من السهل تصديقه، وظنه كثيرون نوعاً من الدس والافتراء على ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، حتى نشطت وساطة أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد، بين مسقط وأبوظبي.


وكانت المهمة الكويتية صعبة لأن العملية شكلت بالنسبة لعمان نوعاً من الخيانة، ومحاولة الطعن في الظهر، من قبل شقيق ليس بينها وبينه ما يدفعه إلى هذا السلوك الذي لا يمكن وصفه إلا بالتآمر. يومها، تساءلت الأوساط في الخليج عن سر قيام جهاز أمن أبوظبي بتجنيد بعض حرس السلطان قابوس لنقل معلومات حساسة، فسلطنة عمان ليست في حالة عداء مع الإمارات حتى تقوم أبوظبي بالتجسس عليها، وحتى لو تم تسجيل ذلك تحت بند الفضول الأمني أو سوء التصرف من قبل جهاز أبوظبي، فإنه كان صعباً استيعاب أن تصل عملية الاختراق إلى الدائرة الخاصة بالسلطان قابوس.

بعد جهد وعمل دؤوب، قام به الشيخ صباح الأحمد، بردت الأزمة بين البلدين، ولكن سلطنة عمان لم تغلق الملف في صورة نهائية. صحيح أنها عادت لتتعامل مع أبوظبي، ولكن العلاقات الثنائية لم تشهد حرارة منذ ذلك الحين. ويقول مطلعون على الملف، إن سلطنة عمان سجلت عدة نقاط على الصعيدين السياسي والأخلاقي من خلال رد فعلها الهادئ البعيد عن التشنج.

تلتقي تلك الأزمة مع عملية استهداف قطر في عدة زوايا. الأولى، عملية الاختراق الأمني لوكالة الأنباء القطرية، وهي نوع جديد من أنواع التجسس. والزاوية الثانية تتمثل في عدم حساب العواقب، وما يمكن أن يؤدي إليه الفشل، وهذا ما حصل فعلاً في الحالتين. أما الزاوية الثالثة فهي عدم احترام القوانين والأعراف التي تنظم العلاقات بين الأشقاء والدول، الأمر الذي يعرض أبوظبي لعقوبات دولية عديدة في حال قامت قطر بمقاضاتها عن عملية العدوان الإلكتروني، الذي صار ثابتاً بالأدلة التي تمتلكها أجهزة الاستخبارات الأميركية.

يبدو أن أبوظبي حين قررت اختراق وكالة الأنباء القطرية، قامت بذلك مع سبق الإصرار، والأرجح أن حساباتها كانت تميل إلى أنها سوف تنجح في تحقيق هدفها، وهو لم يكن أقل من إسقاط الحكم في قطر، ولذا قامت بحَبك عملية من عدة جهات، وجندت الى جانبها السعودية ومصر والبحرين، وكانت تظن أن ذلك سوف يكفي لاستنفار العالم كله ضد قطر من خلال النفخ في أسطورة الإرهاب، ولكنها لم تفلح في ذلك. وكان واضحاً، منذ الأسبوع الأول، أن حظوظ النجاح الدبلوماسي قليلة، ولم يثمر الضغط حتى على بلدان أفريقية فقيرة، وكانت حصيلة من سار في الركب جزر القمر وموريشيوس ومالديف وموريتانيا. وأمام هذا الفشل تم الانتقال الى الخطة "ب" التي اعتمدت على قطع العلاقات الدبلوماسية في 5 يونيو/ حزيران وفرض الحصار الجوي والبري، وكان الهدف هو إسقاط قطر من الداخل، ولذا جرى تكثيف القصف الإعلامي ورفع منسوب الحرب النفسية واستخدام كافة أسلحة الضغط الاقتصادي، بما في ذلك هز قيمة العملة القطرية.

مر أكثر من شهر، وبقيت قطر صامدة، وأدارت قيادتها الحملة برباطة جأش وحكمة، ونجحت في أن تقنع كافة الوسطاء الذين زاروها بصواب موقفها، ووضوح توجهها والتزامها بمكافحة تمويل الإرهاب، وتمسكها باستقلالية قرارها ومواقفها من دعم الشعوب التي ثارت في عام 2011 ضد الديكتاتورية.

قطر خرجت منتصرة لأنها ربحت بالدرجة الأولى معركة الرأي العام العربي والدولي، وكان الإعلام الحر والرصين في صفها، في حين وقف الانتهازيون في الصف الآخر، وهذا الفرز يشكل مكسباً يسجل في رصيد حرية التعبير.

ستكون نتائج هذه الأزمة ذات تأثير كبير، وهي، حتى الآن، أسقطت في صورة أساسية هالة النظامين في أبوظبي والرياض. وفي حين تلقت أبوظبي درساً خاصاً من خلال الكشف عن كونها هي التي قامت بعملية قرصنة وكالة الأنباء القطرية ليل 23 مايو/أيار الماضي من أجل فتح طريق الحملة ضد قطر، فإن الرياض ظهرت بلا حضور سياسي خاص رغم أنها رمت بكل ثقلها ضد قطر، وبدا كأن من يقرر نيابة عنها هو ولي عهد أبوظبي.