يبدو الواقع الإعلامي التونسي غير ما نصّ عليه دستور 2014، حيث قال في المادة 31: "إنّ حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة، ولا يمكن ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات"... فالإعلاميون التونسيون، ورغم الضمانات القانونية، يجدون أنفسهم أمام عقوبات سالبة للحرية على خلفية عملهم الإعلامي.
وتجلّى ذلك في إصدار قاضٍ في المحكمة الابتدائية في تونس، أمس، حُكمًا بسجن زهير القمبري، المدير التنفيذي لقناة "حنبعل تي في" على خلفية استضافة القناة محمد الغرياني، آخر أمين عام للتجمع الدستوري الديمقراطي، وهو حزب الرئيس التونسي المخلوع، زين العابدين بن علي.
ويأتي الحكم على خلفية منع الغرياني من قبل القضاء من الظهور في الأماكن العامة بعد إطلاق سراحه، على خلفية قضية فساد مالي. لكنّ هذا الأخير خالف هذا الحكم، وحضر في حوار تلفزيوني أجرته معه قناة "حنبعل" في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2014، لتقضي المحكمة الابتدائية بإيداعه السجن لمدة 16 يومًا، وعادت المحكمة من جديد لتقضي بسجن المدير التنفيذي للقناة.
زهير القمبري أشار في هذا الصدّد إلى أنّ الحكم الصادر في حقه غيابي، وقال في حديث مع"العربي الجديد": "وُجّهت لي تهمة تحدي القرارات القضائية عند عرضي للحوار مع محمد الغرياني، في حين لم يصلني حينها أي مكتوب رسمي يدعو القناة إلى عدم بث هذا الحوار". وأضاف: "من المنتظر أن تقوم المحكمة بإعادة المحاكمة يوم غد،ٍ 3 أبريل/نيسان. أنتظر أن يتم القضاء لصالحي".
واعتبر حقوقيّون أنّ هذا الحكم تدخل من القضاء في صلاحيات الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، المخوّلة قانونًا بالإشراف على القطاع السمعي البصري.
نقابة المؤسسات الإعلامية السمعية والبصرية اعتبرت، من ناحيتها، هذا الحكم تضييقًا على حرية الرأي والتعبير وعلى عمل المؤسسات الإعلامية، داعيةً إلى مراعاة خصوصية العمل الإعلامي خاصة وقد لاحظت في المدة الأخيرة تزايد وتيرة التضييق على عمل المؤسسات الإعلامية السمعية البصرية.
إقرأ أيضاً: الرئيس التونسي يهين صحافيين فرنسيين
إلى ذلك، وجّه القضاء التونسي تنبيهاً لمدير صحيفة "بزنس نيوز" الإلكترونيّة، نزار بهلول، على خلفيّة مقال نُشر فيها واعتبرته رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة، سهام بن سدرين، ثلباً لها.
وفي هذا الإطار، قال بهلول لـ"العربي الجديد" إن "الصحافي ليس فوق القانون، ونحن في عملنا معرضون لارتكاب أخطاء لكن طريقة التعامل مع هذه الأخطاء، إن وجدت، هي المعضلة". وسأل "لماذا يتم المرور مباشرة إلى الدعاوى القضائية؟ فهناك حق الرد الذي يضمنه القانون التونسي، وهو ما يؤشر إلى رغبة من قبل البعض في تلجيم الإعلام".
ورأى البهلول أن "ما يحصل الآن في تونس صراع طبيعي بين سلطات تحاول كل منها السيطرة على قطاع الإعلام، لكن الحرية تفتك ولا تهدي لذلك علينا الاستمرار في مسعانا لضمان حرية الرأي والتعبير".
حرية رأي وتعبير اعتبرها نقيب الصحافيين التونسيين، ناجي البغوري، "حالةً استثنائية في البلدان العربية لكنّ الحفاظ عليها وصونها هو أهم تحدٍّ أمام الصحافيين التونسيين". وأضاف في حديث مع"العربي الجديد": "لكن هذه الحقيقة لا تحجب الخوف على حرية الرأي والتعبير، خاصة وأن الطبقة السياسية فى تونس لم تهضم بعد المعاني العميقة لهذا المكسب الكبير".
ولا تُعدّ حالتا زهير القمبري ونزار البهلول استثناء في المشهد الإعلامي التونسي، فوفقًا للتقرير السنوي لمركز تونس لحرية الصحافة لسنة 2014، شهدت تونس 277 انتهاكًا على حرية الصحافة مسّت 694 صحافية وصحافياً أي بمعدل 50 صحافياً وصحافية يتعرضون لاعتداءات في الشهر، ومن هذه الاعتداءات التتبع القضائي، حيث وصل عدد المتابعات القضائية ضد الصحافيين سنة 2014 إلى ما يناهز 36 حالة.
إقرأ أيضاً: عودة بن علي إلى التلفزيون التونسي