لماذا نحب أبناءنا؟ لماذا نتفانى في خدمتهم؟ هل لأنها فطرة؟ أم لأننا نعتبرهم امتدادا لنا ونطمح إلى أن نحقق من خلالهم ما لم نستطع تحقيقه بأنفسنا؟ أم لأنهم وسيلة للاستمتاع بشهوة "السلطة" التي لا توجد لدينا فرصة للاستمتاع بها إلا مع هذه المخلوقات التي نظن أننا نمتلكها؟ أم لأنهم يجعلون لنا "قيمة" عندما نشعر أننا قد أدينا مسؤوليات الحمل والرضاعة والإنفاق وسهر الليالي؟ أم لأننا نستمتع بحالة "الشمعة المحترقة" التي تشعرنا بالبطولة والتفرد والتميز لنغطي بها إخفاقنا أو ضعف أدائنا في جوانب أخرى من حياتنا؟ أم أننا نشعر بعدم الأمان تجاه تقلبات العمر والزمن فنستثمر صحتنا وأموالنا في أبنائنا استعدادا لذلك اليوم الذي سنحتاج فيه إلى خدمة أبنائنا لنا، ونتوقع منهم في هذه اللحظة أن يردوا الدين الذي يدينون لنا به؟ أم أنها كل هذه الأسباب مجتمعة؟
ونقول إن وجود هذه الأسباب والدوافع ليس عيبا، ولكن العيب هو عدم الانتباه لها وعدم وضع حدود لطمعها...
• أن تعتبر ابنك امتدادا لك في بعض الجوانب ليس عيبا، أن يستكمل عمل خير بدأته، أن يقتدي بأفضل ما فيك من أخلاق ومعتقدات، أن يوصل حبال الود والرحمة مع إخوته في حضورك كما في غيابك، ولكن، ليس مقبولا أن تطمع في أن يحمل نفس طباعك وميولك، أو أن يكون طبيبا كما أنت طبيب، أو أن ترسم أنت له أهدافه التي كنت تتمنى تحقيقها وأخفقت، أو أن تضعه تحت "ضغط" ألا يخطئ الأخطاء التي أخطأتها أنت عندما كنت في مثل سنه، وتتخيل أن مجرد نصائحك الثمينة ستعبر به الزمن وتكسبه ما احتجت أنت لسنوات من التجربة لتفهمه وتتبناه.
اقــرأ أيضاً
• أن تمارس درجة من "السلطة" تجاه أبنائك مقبول، خاصة في سنوات عمرهم الأولى التي يحتاجون فيها لدرجة كبيرة من التوجيه وإرساء أسس الشخصية، ولكن ليس مقبولا أن تستمرئ تلك الشهوة، وأن تتخيل أنهم يجب أن يطيعوك في كل صغيرة وكبيرة لأنك تفهم كل شيء أكثر منهم، ولأن الله أمر بهذا، فلا أنت بالضرورة أفضل منهم ولست بالضرورة تفهم كل شيء، ولا الله- سبحانه- أمر بهذا.
أنت إنسان صاحب خبرة "محدودة"، وكونك أبا أو أما لا يعني بالضرورة أنك تفهم كل شيء، قد تكون مخطئا في بعض آرائك، قد يتفوقون هم عليك في جوانب من الحياة، قد تكون قدرات أبنائك أفضل منك بالفعل، ولكن تنقصهم "الفرصة" ليجربوا ويتعلموا ويصنعوا تجربتهم.. كما أن الله تعالى لم يأمر بالطاعة المطلقة للوالدين، وإنما أمر بـ "البر"، والبر هو الإحسان والوصل والرفق وحسن المعاملة التي تجب على الأبناء تجاه الآباء مهما أساء الآباء إليهم، حتى لو طلبوا منهم الكفر، حتى لو خالفوهم في الرأي واختاروا اختيارا لا يعجبهم، يظل الإحسان وحسن المعاملة والوصل، وهي أمور مختلفة تماما عن الطاعة المطلقة والامتثال للأوامر، ويزداد الأمر تعقيدا في هذه المساحة (مساحة السلطة) أن هناك معادلة عربية شهيرة هي: "السلطة مقابل المال"، أنت تشتري لابنك هدية -وهو طفل- مقابل أن تكون موافقا أنت عليها، وتنفق على ابنك -وهو مراهق- في تعليمه مقابل أن يختار الكلية التي ترضى أنت عنها، وتنفق عليه في مصاريف زواجه - وهو شاب - مقابل أن يختار عروسا تعجبك.
نريد أن نخلق معادلة جديدة للعلاقة بين السلطة والقوة والحرية والمسؤولية، ليكون لديه درجة من الحرية في الاختيار، وأن ينفك قليلا من سلطتك، ولكن في المقابل لابد أن يتحمل هو درجة من المسؤولية في دفع الفواتير. يجب ألا تكون أنت مجرد ممول لمغامرات شخص مستهتر يستمتع هو بالتجربة وتدفع أنت الفاتورة، ولكن في المقابل يجب أن تقف في ظهر ابنك وتدعمه جزئيا حتى لو لم تكن موافقا مائة بالمائة على اختياراته، فلا تهرب من مسؤولياتك تجاه طفل أو مراهق أو شاب يبحث عن طريقه فيتعثر وينجح، هذه المساحة مليئة بالتفاصيل والتوازنات التي تحتاج عشرات الضوابط والأسس، ولن يكفي المقام هنا لذلك، ولكننا فقط نشير إليها لننتبه لها، ونفكر في معادلات جديدة أكثر اتزانا.
اقــرأ أيضاً
• وليس عيبا أن نستمد إحساسنا بـ "قيمتنا" من أدائنا لمسؤولياتنا مع أبنائنا، فنحن من حقنا أن نشعر بالتقدير تجاه أنفسنا لقيامنا بهذه المهام الصعبة، والتي لا نأخذ عنها مقابلا مناسبا لحجم الجهد العظيم المبذول. ومن حقنا أن نشعر أن ما نقوم به عظيم فعلا، بل هو أعظم مهمة في الكون.. يجب أن يملأنا الشعور بذلك، وهذا ليس عيبا.. ولكن العيب هو أن تتولد بيننا وبين أبنائنا ما يسمى في علم النفس: "الاعتمادية المتواطئة"، أي أننا نتواطأ معهم على أن يكون كل منا المصدر الأساسي لقيمة الآخر، فنظل نحن غير قادرين على أن نستغنى عن إحساسنا بقيمتنا الذي نستمده منهم، وفي المقابل هم أيضا لا يستطيعون أن يستغنوا عن خدماتنا الجليلة التي يعتمدون عليها اعتمادا مطلقا فيظلون تحت أسرنا، وهذه علاقة مرضية في الحقيقة، حتى دور الضحية والشمعة التي تحترق كلها مشاعر مرضية. يجب أن ننفطم من أبنائنا وأن ينفطموا هم منا بالتدريج، بداية من مراحل الطفولة المتأخرة ثم المراهقة، ويجب أن نستمد قيمتنا من مصادر أخرى، وهم أيضا يحصلون على الدعم من دوائر متعددة، ولا يشعرنا هذا الفطام بالتهديد، فنحن سنظل لآخر يوم في حياتنا نقف في ظهورهم، نشجع، ونقدم الحب غير المشروط، وندعم ثقتهم بأنفسهم وتحملهم للمسؤولية مهما تعثروا أو أخفقوا، سنظل نقوم بهذا، وسيظلون هم أوفياء له.
• ليس عيبا أن ننتظر منهم المساندة يوم احتياجنا إليهم، فهذه المساندة - في الحقيقة - إشارة إلى أننا نجحنا في تربية أبناء يحبوننا. الحب فقط هو الذي سيجعل هذه المهمة يسيرة عليهم، وليس الإحساس بأنهم يسددون فاتورة من الديون التي يدينون لنا بها، اصنع هذا الرصيد من الحب.. دون مَنّ (بفتح النون) أو مسكنة (بفتح الميم)، ستجني حبا ووفاء.. هكذا ببساطة.
• وأخيرا... فتش دائما عن دوافعك، أنت بالتأكيد تحمل دوافع طيبة حقيقية، فأنت أب أو أم، تحب ابنك حقا حبا غير مشروط، تتمنى له الخير كله، لا تبخل بوقتك أو جهدك من أجل مستقبله أو سعادته. توجهك هذه الدوافع الطيبة إلى تصرفات قد تصيب فيها أو قد تخطئ، وهذا ليس عيبا، فأنت بشر ولست ملاكا من السماء، ولكن فقط احذر من أن تختلط الدوافع الطيبة بالدوافع الخبيثة من دون أن تشعر، أو أن تغلف تلك الدوافع الخبيثة بالأخرى الطيبة.
اقــرأ أيضاً
• أن تعتبر ابنك امتدادا لك في بعض الجوانب ليس عيبا، أن يستكمل عمل خير بدأته، أن يقتدي بأفضل ما فيك من أخلاق ومعتقدات، أن يوصل حبال الود والرحمة مع إخوته في حضورك كما في غيابك، ولكن، ليس مقبولا أن تطمع في أن يحمل نفس طباعك وميولك، أو أن يكون طبيبا كما أنت طبيب، أو أن ترسم أنت له أهدافه التي كنت تتمنى تحقيقها وأخفقت، أو أن تضعه تحت "ضغط" ألا يخطئ الأخطاء التي أخطأتها أنت عندما كنت في مثل سنه، وتتخيل أن مجرد نصائحك الثمينة ستعبر به الزمن وتكسبه ما احتجت أنت لسنوات من التجربة لتفهمه وتتبناه.
• أن تمارس درجة من "السلطة" تجاه أبنائك مقبول، خاصة في سنوات عمرهم الأولى التي يحتاجون فيها لدرجة كبيرة من التوجيه وإرساء أسس الشخصية، ولكن ليس مقبولا أن تستمرئ تلك الشهوة، وأن تتخيل أنهم يجب أن يطيعوك في كل صغيرة وكبيرة لأنك تفهم كل شيء أكثر منهم، ولأن الله أمر بهذا، فلا أنت بالضرورة أفضل منهم ولست بالضرورة تفهم كل شيء، ولا الله- سبحانه- أمر بهذا.
أنت إنسان صاحب خبرة "محدودة"، وكونك أبا أو أما لا يعني بالضرورة أنك تفهم كل شيء، قد تكون مخطئا في بعض آرائك، قد يتفوقون هم عليك في جوانب من الحياة، قد تكون قدرات أبنائك أفضل منك بالفعل، ولكن تنقصهم "الفرصة" ليجربوا ويتعلموا ويصنعوا تجربتهم.. كما أن الله تعالى لم يأمر بالطاعة المطلقة للوالدين، وإنما أمر بـ "البر"، والبر هو الإحسان والوصل والرفق وحسن المعاملة التي تجب على الأبناء تجاه الآباء مهما أساء الآباء إليهم، حتى لو طلبوا منهم الكفر، حتى لو خالفوهم في الرأي واختاروا اختيارا لا يعجبهم، يظل الإحسان وحسن المعاملة والوصل، وهي أمور مختلفة تماما عن الطاعة المطلقة والامتثال للأوامر، ويزداد الأمر تعقيدا في هذه المساحة (مساحة السلطة) أن هناك معادلة عربية شهيرة هي: "السلطة مقابل المال"، أنت تشتري لابنك هدية -وهو طفل- مقابل أن تكون موافقا أنت عليها، وتنفق على ابنك -وهو مراهق- في تعليمه مقابل أن يختار الكلية التي ترضى أنت عنها، وتنفق عليه في مصاريف زواجه - وهو شاب - مقابل أن يختار عروسا تعجبك.
نريد أن نخلق معادلة جديدة للعلاقة بين السلطة والقوة والحرية والمسؤولية، ليكون لديه درجة من الحرية في الاختيار، وأن ينفك قليلا من سلطتك، ولكن في المقابل لابد أن يتحمل هو درجة من المسؤولية في دفع الفواتير. يجب ألا تكون أنت مجرد ممول لمغامرات شخص مستهتر يستمتع هو بالتجربة وتدفع أنت الفاتورة، ولكن في المقابل يجب أن تقف في ظهر ابنك وتدعمه جزئيا حتى لو لم تكن موافقا مائة بالمائة على اختياراته، فلا تهرب من مسؤولياتك تجاه طفل أو مراهق أو شاب يبحث عن طريقه فيتعثر وينجح، هذه المساحة مليئة بالتفاصيل والتوازنات التي تحتاج عشرات الضوابط والأسس، ولن يكفي المقام هنا لذلك، ولكننا فقط نشير إليها لننتبه لها، ونفكر في معادلات جديدة أكثر اتزانا.
• وليس عيبا أن نستمد إحساسنا بـ "قيمتنا" من أدائنا لمسؤولياتنا مع أبنائنا، فنحن من حقنا أن نشعر بالتقدير تجاه أنفسنا لقيامنا بهذه المهام الصعبة، والتي لا نأخذ عنها مقابلا مناسبا لحجم الجهد العظيم المبذول. ومن حقنا أن نشعر أن ما نقوم به عظيم فعلا، بل هو أعظم مهمة في الكون.. يجب أن يملأنا الشعور بذلك، وهذا ليس عيبا.. ولكن العيب هو أن تتولد بيننا وبين أبنائنا ما يسمى في علم النفس: "الاعتمادية المتواطئة"، أي أننا نتواطأ معهم على أن يكون كل منا المصدر الأساسي لقيمة الآخر، فنظل نحن غير قادرين على أن نستغنى عن إحساسنا بقيمتنا الذي نستمده منهم، وفي المقابل هم أيضا لا يستطيعون أن يستغنوا عن خدماتنا الجليلة التي يعتمدون عليها اعتمادا مطلقا فيظلون تحت أسرنا، وهذه علاقة مرضية في الحقيقة، حتى دور الضحية والشمعة التي تحترق كلها مشاعر مرضية. يجب أن ننفطم من أبنائنا وأن ينفطموا هم منا بالتدريج، بداية من مراحل الطفولة المتأخرة ثم المراهقة، ويجب أن نستمد قيمتنا من مصادر أخرى، وهم أيضا يحصلون على الدعم من دوائر متعددة، ولا يشعرنا هذا الفطام بالتهديد، فنحن سنظل لآخر يوم في حياتنا نقف في ظهورهم، نشجع، ونقدم الحب غير المشروط، وندعم ثقتهم بأنفسهم وتحملهم للمسؤولية مهما تعثروا أو أخفقوا، سنظل نقوم بهذا، وسيظلون هم أوفياء له.
• ليس عيبا أن ننتظر منهم المساندة يوم احتياجنا إليهم، فهذه المساندة - في الحقيقة - إشارة إلى أننا نجحنا في تربية أبناء يحبوننا. الحب فقط هو الذي سيجعل هذه المهمة يسيرة عليهم، وليس الإحساس بأنهم يسددون فاتورة من الديون التي يدينون لنا بها، اصنع هذا الرصيد من الحب.. دون مَنّ (بفتح النون) أو مسكنة (بفتح الميم)، ستجني حبا ووفاء.. هكذا ببساطة.
• وأخيرا... فتش دائما عن دوافعك، أنت بالتأكيد تحمل دوافع طيبة حقيقية، فأنت أب أو أم، تحب ابنك حقا حبا غير مشروط، تتمنى له الخير كله، لا تبخل بوقتك أو جهدك من أجل مستقبله أو سعادته. توجهك هذه الدوافع الطيبة إلى تصرفات قد تصيب فيها أو قد تخطئ، وهذا ليس عيبا، فأنت بشر ولست ملاكا من السماء، ولكن فقط احذر من أن تختلط الدوافع الطيبة بالدوافع الخبيثة من دون أن تشعر، أو أن تغلف تلك الدوافع الخبيثة بالأخرى الطيبة.