في انتظار صدور حكم خلال الشهر الجاري، والمتعلّق بامرأة تدّعي أنها ابنة الملك السابق لبلجيكا ألبير الثاني، الذي ما زال على قيد الحياة، برزت "موضة" جديدة تتعلق بصدور مجموعة من الشهادات لأشخاص ولدوا خارج إطار الزواج، وأرادوا التعبير عن معاناتهم.
وأعلنت محكمة الاستئناف في بروكسل، في نهاية شهر إبريل/ نيسان الماضي، أنّها ستصدر حكماً في منتصف يونيو/ حزيران الجاري حول طلب اختبار الحمض النووي في ملف دلفين بويل، التي رفعت دعوى قضائية لإثبات أن ملك بلجيكا السابق ألبرت الثاني، هو والدها البيولوجي. وستصدر المحكمة قرارها لتحديد ما إذا كان طلب إجراء اختبارات الحمض النووي على جاك بويل والد دلفين المتوفى والملك ألبرت الثاني مقبولاً أم لا، قبل الدخول في صلب الموضوع المتعلّق بإثبات الأبوة. وكان جاك بويل قد أجرى اختباراً للحمض النووي خارج إطار المحكمة، أثبت أنه ليس الأب البيولوجي لدلفين بويل.
وكانت دلفين بويل في عام 2013 قد قدمت طعناً في أبوة جاك بويل، والدها القانوني، ثم رفعت دعوى من أجل الحصول على اعتراف بالأبوة من قبل الملك ألبرت الثاني. ولم يطعن جاك بويل في دعوى إنكار الأبوة التي قدمتها ابنته ضده، ما دفعه إلى إجراء اختبار الحمض النووي الذي كشف أنه لم يكن في الواقع والدها البيولوجي. وتقول دلفين بويل إنها ابنة الملك ألبرت الثاني الذي كانت والدتها سيبيل دي سيليس على علاقة به خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
وفي عام 1999، بدأت بعض وسائل الإعلام تقديم دلفين بويل على أنها الابنة غير الشرعية لألبرت الثاني. والأخير اعترف أنه واجه مشاكل مع زوجته الملكة باولا خلال سبعينيات القرن الماضي، لكنه لم يعترف أبداً بأنه والد دلفين بويل البيولوجي. وتقول الخبيرة في الشؤون البلجيكية سوفي لوركان لـ "العربي الجديد": "ولدت دلفين بويل في عائلة غنية. وبعد إثبات عدم الأبوة، حرمها جاك بويل من الميراث، لكن ذلك لم يمنعها من العيش بشكل عادي". تضيف: "البحث عن الاعتراف بأبوة ألبير الثاني لا يعني الحق في إحدى أهم الثروات المادية في بلجيكا فقط، لكن بالأخص الانتماء إلى الأسرة الملكية، وهذا رأسمال مهم كذلك".
ملف دلفين بويل وشهاداتها العلنية أمام المحكمة ووسائل الإعلام، وتأكيد هيئة الدفاع أن الدعوى تسعى إلى مساعدة أشخاص عاشوا طفولة مليئة بالتساؤلات، دفع أشخاصاً كثيرين إلى تقديم شهادات عن معاناتهم. ويفضل جلهم عدم الإعلان عن أسمائهم الحقيقية، على الأقل في المرحلة الأولى، كما هو حال بول وجوليان، اللذين حصلت "العربي الجديد" على شهادتهما من خلال شخص يعمل على جمع هذه الشهادات.
بول (30 عاماً) يعمل موظفاً في مؤسسة عامة. يقول إنه اكتشف خلال تصفحه صور العائلة، وجود شبه بينه وبين عرابه. "المدهش أن أمي نفسها دفعتني إلى هذا الاكتشاف عندما أهدتني هذه الصور التي عثرت فيها على صورة تشبهني. وعلى الرغم من أن هذه الصورة كان أمامي لسنوات، إلا أنني لم أنظر إليها بشكل مختلف إلا بعد حدوث مشاكل عائلية جعلتني أنظر إلى كل الصور بدقة لأكتشف الشبه بيني وبين هذا الرجل". يضيف: "منذ ذلك الحين، تخاصمت مع عائلتي التي ترفض الحديث عن الأمر، وتعتبرني مجنوناً". ويشير إلى أن اختبار الحمض النووي أثبت أنه ليس الابن البيولوجي لوالده القانوني. أما جوليان الذي لم يتجاوز بعد سن الخامسة والعشرين، ويواصل دراسته في الجامعة، فيقول: "دهشت حين قالت عمتي إن الحيوانات تنجب من نفس فصيلتها وليس من فصيلة أخرى حين كنت أتحدث كعادتي عن شعوري بالاختلاف الشديد عن عائلة والدي". وعندما طلب التوضيح من عمته، اقترحت عليه طرح السؤال على والديه، وتحديداً معرفة فصيلة دمهما. "أقنعت والديّ بحاجتي إلى دمهما لإجراء فحوصات، وأثبتت التحاليل أنني لست ابنه". وعندما قدمت لهما النتائج، علمت أن أمي كانت تحب شخصاً قبل الزواج بوالدي، وأنا ابنه.
اختيار كثيرين الحديث عن هذه المعاناة مسألة مهمة. يقول الطبيب النفسي باتريك نوتري لـ "العربي الجديد": "لا تسبب كل الأسرار العائلية مشاكل. لكن حياة الأجيال السابقة قد يكون لها تأثير على الأطفال بشكل إيجابي أو سلبي. لذلك، لا وجود لقاعدة عامة. كل شيء يعتمد على طبيعة السر وأسباب إخفائه وشخصية الأطفال". يضيف: "لا أؤيد قول الحقيقة المطلقة. يحق للبالغين امتلاك حديقة سرية. كما أن اعترافات الوالدين المتعلقة بحياتهما يمكن أن يكون لها آثار سلبية على الطفل". ويوضح أنه علاوة على ذلك، الحاجة إلى معرفة الأصول يمكن أن تكون مسألة أساسية لكثيرين، لكن هذا لا ينطبق على الجميع. يمكن للمرء أن يعيش من دون معرفة كل شيء عن أصوله.
ويشير عالم الاجتماع المختص بالديموغرافيا في جامعة "لييج" لوران نيسان إلى أن تطوّر مؤسسة الزواج غيّر الوضع بشكل كبير. "لم تعد عبارة طفل غير شرعي تستخدم اليوم. وتظهر استطلاعات الرأي المختلفة أن الطفل الذي يولد قبل الزواج أو خارج نطاق الزواج لم يعد موضوعاً يثير القلق، بل إن بعض الأزواج يطلبون تدخل طرف ثالث بسبب مشاكل الإنجاب، من دون أن يؤدي الأمر إلى مشاكل تتعلق بالأبوة".
وفي عام 2016، نشرت جامعة "لوفان" البلجيكية دراسة بينت أن معدل الأبوة الزائفة يصل إلى نحو واحد في المائة لكل جيل، وذلك في كل من بلجيكا وجنوب أفريقيا وإيطاليا وإسبانيا. ووفقا للدراسة، فستبقى هذه النسبة مستقرة نسبياً لمدة خمسمائة عام.