أمهات إيرانيات كثيرات يعانينَ من عدم قدرتهنّ على منح أبنائهنّ جنسيتهنّ، فاطمة هاشمي (47 عاماً) واحدة منهنّ. هي متزوجة من رجل يحمل الجنسية العراقية، ولها ابنة (24 عاماً) وابن (17 عاماً). ابنتها حصلت على الجنسية الإيرانية بعد تجاوزها الثامنة عشرة من عمرها، أمّا ابنها فما زال بحسب ما تقول "ينتظر حقّه بالجنسية وكذلك حقّي بمنحي جنسيتي لهما بعدما كانت الأعوام الماضية صعبة جداً".
تخبر هاشمي "العربي الجديد" أنّها واجهت مشكلات عدّة منذ ولادة طفلَيها، موضحة "لم أستطع الحصول لهما على أيّ أوراق ثبوتية رسمية باستثناء شهادتي الميلاد". وتؤكد: "نحن نقيم معاً في إيران ولا نرغب في المغادرة. الظروف لم تسمح لابنتي وابني بالانتقال إلى مسقط رأس أبيهما، الأمر الذي جعلهما يعانيان". تضيف أنّها كانت مضطرة إلى تقديم توضيحات لمدرّساتهما بصورة دائمة، في حين أنّهما واجها مشكلة في التسجيل عند انتقالهما إلى التعليم الجامعي". وتصف هاشمي الأمر بالصعب، قائلة "لم أشعر يوماً باستقرار أبنائي، فعانينا جميعاً من فقدان الشعور بالأمان. ألّا تحمل هوية رسمية يعني مشكلات كثيرة في نطاقات مختلفة تعليمية وصحية بل واجتماعية عامة. وكنت مضطرة إلى تأمين ما يحتاجان له بتكاليف عالية، بينما هما محرومان من التوظيف في القطاع الحكومي وفي عدد كبير من الأشغال في القطاع الخاص، للسبب ذاته". وتتخوّف هاشمي من أن تضطر في يوم إلى "ترك بلدي، لأنّ الأمور تتفاقم كلّما تقدّما في السنّ".
ولدا فاطمة هاشمي حالة من بين مليون تقريباً، فالنائب في البرلمان الإيراني وعضو لجنة شؤون المرأة فيه، طيبة سياوشي، أكدت أنّ مليونا من أبناء إيرانيات متزوجات من أجانب لا يملكون هويّة ومحسوبون من ضمن فئة "البدون". لكنّها أشارت إلى أنّ القانون يسمح برفع طلب للحصول على الجنسية بعد بلوغ ابن المرأة الإيرانية أو ابنتها الثامنة عشرة، موضحة وجود مشروع قانون جديد يُطرَح قريباً ويتيح إمكانية طلب الجنسية الإيرانية قبل الثامنة عشرة، أو أقلّه الحصول على أوراق ثبوتية.
وفي تصريحات نقلتها وكالات أنباء إيرانية، قالت سياوشي إنّ هذا المشروع الذي سوف يدرسه البرلمان لاحقاً أمر إيجابي وخطوة نحو الأمام، إذ إنّ نساء إيرانيات كثيرات يراجعنَ البرلمان مطالبات بهوية لأبنائهنّ. أضافت أنّ تعديل قانون الجنسية أو إقرار هذا المشروع الجديد الذي يسمح بطلب هوية، سوف يساعدان في حلّ مشكلات اجتماعية كثيرة. وأشارت سياوشي إلى أنّ ثمّة نواباً في البرلمان حاولوا في خلال عامَين ونصف العام إجراء تعديلات على قانون منح الجنسية لأبناء الإيرانيات، لكنّهم لم يتوصّلوا إلى أيّ نتيجة بسبب اعتراض وانتقادات برلمانيين آخرين ولجنة صيانة الدستور المخوّلة بوضع قوانين بعد البرلمان. وتابعت أنّ المشروع الجديد يتطرّق إلى مسائل أخرى في السياق، من قبيل منح هؤلاء الأبناء تأميناً صحياً.
والحديث عن ضرورة إجراء تعديلات تطاول حقّ المرأة الإيرانية في منح الجنسية لأبنائها زاد في المدّة الأخيرة. وأفادت مستشارة الرئيس الإيراني لشؤون المرأة، معصومة ابتكار، بأنّ التشكيلة الحكومية وافقت في اجتماع عقد في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي على مشروع جديد يسمح للإيرانيات بالتقدّم بطلبات الحصول على جنسية لأبنائهنّ من أجنبي حتى قبل بلوغهم الثامنة عشرة، لافتة إلى أنّ الأمر يحتاج إلى مراحل قانونية عدّة.
في يوليو/ تموز من عام 2017، نقلت وكالة "إيسنا" للأنباء عن النائب أحمد آزادي خواه قوله إنّ البرلمانيين في اللجنة الثقافية وافقوا على منح جنسية الأم الإيرانية لأبنائها بعد دراستهم تفاصيل مشروع يُدخِل تعديلات على القانون المرتبط بالجنسية. وأكّد أنّه "لا ضرورة بعد الآن ليتخلى أبناء الإيرانيات عن جنسية ثانية يملكونها بهدف الحصول على الجنسية الإيرانية"، الأمر الذي يعني أنّ ذلك لا يشمل البدون من دون توضيح تساؤلات كثيرة. يُذكر أنّ الأم الإيرانية تمنح جنسيتها لأبنائها شريطة ولادتهم في إيران وبقائهم فيها حتى الثامنة عشرة، ما يعني أنّ ما تناوله أزاديخواه يقضي بالموافقة على الإبقاء على الجنسية الثانية إلى جانب منحهم تلك الإيرانية بعد تحقيق الشروط.
والدستور الإيراني ينصّ على أنّ الطفل من أب إيراني هو إيراني بالدم ويحصل على الجنسية تلقائياً، في حين أنّ الأمّ الإيرانية لا تمنح جنسيتها إلا وفقاً للشروط المذكورة آنفاً. تجدر الإشارة إلى أنّه كان يحقّ للأمّ الإيرانية منح جنسيتها لأبنائها قبل أكثر من عقد من الزمان، لكن في خلال عهد الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد طرأ تعديل على القانون بسبب التخوّف من ارتفاع نسبة زواج الإيرانيات من لاجئين أجانب في البلاد، معظمهم من العراق وأفغانستان، وذلك في محاولة للحدّ من استغلال المرأة للحصول على جنسيتها، بحسب الموافقين على ذلك التعديل.
في السياق، تقول الأستاذة الجامعية ورئيسة لجنة المرأة في بيت الأحزاب الإيرانية، فاطمة أصلان، لـ"العربي الجديد" إنّ "هذا الأمر من المشكلات التي تواجهها المرأة الإيرانية، علماً أنّ دولاً قريبة تعطي نساءها حقّ منحهنّ جنسيتهنّ لأبنائهنّ، بينما هي غير قادرة على منح جنسيتها لابنها المولود في وطنها". تضيف أنّ "وجود مليون شخص من دون هويات معضلة كبيرة"، مؤكدة أنّ "التحركات البرلمانية والحكومية إيجابية في هذا السياق، علماً أنّها تأتي متوازية. وذلك بطبيعة الحال قد يؤدّي إلى تعديلات قانونية مهمة". وتشير أصلان كذلك إلى "حرمان أبناء الإيرانيات من حقوقهم المدنية"، منتقدة "عدم متابعة الأمر جدياً". وتتابع أنّ "بعض هؤلاء يواجهون مشكلات في شؤون حياتهم اليومية التي من المفترض أن تكون ميسّرة، من قبيل فتح حساب مصرفي". وتلفت إلى أنّ "التبعات تكون نفسية في أحيان كثيرة، إذ إنّ هؤلاء الأبناء سوف يشعرون بالتهميش والتمييز"، مشددة على "حقّ المرأة الإيرانية الطبيعي بمنح جنسيتها لأبنائها".
تجدر الإشارة إلى أنّ التعديلات السابقة التي سمحت بمنح الأمّ الإيرانيّة جنسيتها لأبنائها بعد بلوغهم الثامنة عشرة وبشروط، حلّت مشكلة كثيرين، غير أنّ الأمور ما زالت عالقة بالنسبة إلى كثيرات. وهؤلاء لا يستطعنَ الانتقال إلى مسقط رأس أزواجهنّ لظروف سياسية أو أمنية، فهذه المشكلة تطاول الإيرانيات المتزوجات من لاجئين على الأراضي الإيرانية.