أبناء المسؤولين في الجزائر... استغلال نفوذ وثراء خارج القانون

03 سبتمبر 2020
طالب الحراك الشعبي بالعدالة ومحاسبة الفاسدين (العربي الجديد)
+ الخط -

تعيد قصص ثراء أبناء قائد الجيش الراحل الفريق أحمد قايد صالح، التي كُشف عنها في الصحف قبل أيام، وأثيرت بشأنها شكوك وتساؤلات قبل سنوات من الآن من دون أن تُفتح حولها تحقيقات بسبب وجود قايد صالح على رأس الجيش، إلى الواجهة، قصص "أبناء الذوات" والمسؤولين النافذين في البلاد منذ نهاية الثمانينيات، إذ أثيرت قصة توفيق نجل الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد حينها. ففي نهاية الثمانينيات وبعد دخول الجزائر عهد التعددية السياسية، أثيرت للمرة الأولى قضية فضيحة مالية وامتيازات حصل عليها أحد المقربين من توفيق بن جديد، نجل الرئيس الشاذلي بن جديد، ولم تكن الظروف تسمح حينها بالكشف عن كل تفاصيل القضية، لكن الشركات التي أسسها نجل الرئيس في السنوات اللاحقة في مجال الخدمات والنقل الجوي والأشغال العامة والبناء، أظهرت أنه استفاد من نفوذ والده، وورد اسم توفيق بن جديد في قضية "بنما بيبرز" والتي كشفت تأسيسه لشركة في بنما تدعى "فايغايت كور" حاز على 60 في المائة من أسهمها.

الثروة المشبوهة لأبناء قايد صالح لم تكن سراً في أي وقت سابق
 

اليوم وبغض النظر عن دوافع وملابسات وتوقيت طرح قضية أملاك عائلة قايد صالح، سواء أكانت لعلاقة ذلك بمسار محاربة الفساد، أم لطابع انتقامي، فإن الثروة المشبوهة لأبناء قائد الجيش الراحل لم تكن سراً في أي وقت سابق، إذ كان الحديث عنها منذ فترة سابقة، ولا سيما حصول ابنيه عادل وبومدين على مشاريع صناعية وعقارات وقطع أرض بالدينار الرمزي، وفرن يموّن ثكنات الجيش في إطار صفقة، والحصول على مطحنة لتحويل القمح ومحطة لتعبئة المياه وهكتارات كاملة وامتيازات أخرى تم بيعها. يضاف إلى ذلك ميناء جاف تم إغلاقه قبل فترة، وحصول صحيفة "ايدوغ نيوز" التي تصدر في ولاية عنابة شرقي الجزائر ويملكها عادل قايد صالح على عائدات مبالغ فيها من الإعلانات العمومية.

قبل إثارة قضية ثراء أبناء قائد الجيش الراحل، كان الجزائريون على موعد مع قضية أكثر إثارة لها علاقة بعائلة القائد السابق للأمن العام عبد الغني هامل، فقد كشف القضاء الجزائري خلال محاكمة العائلة عن أملاك طائلة وثراء خيالي لأبناء هامل الأربعة، أميار وشفيق ومراد وشهيناز هامل، وزوجته علاني سليمة، وأدينوا بالسجن لفترات تتراوح بين خمس و15 سنة. وتم الكشف عن امتلاك العائلة ما مجموعه 35 شقة وأكثر من 15 حساباً مصرفياً تحوي ملايين الدينارات، فابنة هامل التي لا يتجاوز عمرها 25 عاماً تحوز وحدها على شقق وفيلات حصلت عليها خلال فترة دراستها في الجامعة.

اثنان من أبناء رئيس الحكومة الجزائرية الأسبق عبد المالك سلال، وهما ريم وفارس، حصلا على ثروة كبيرة وممتلكات عقارية عديدة، بفعل سلطة ونفوذ والدهما وقربه من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، إذ حصل فارس على أسهم في مصنع للسيارات يمتلكه أحد رجال الأعمال، وأدانته المحكمة قبل أشهر بالسجن لمدة سنتين بتهمة الفساد، فيما استفادت شقيقته ريم من عقارات وأراضٍ زراعية في ولايتي قسنطينة شرقي البلاد وتيبازة قرب العاصمة الجزائرية، ويشتبه في تهريبها أموالاً إلى الخارج، إذ إنها تمتلك عقارات في فرنسا. ولم يشذّ رئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى عن القاعدة، وتصرف نجله أمين بالطريقة نفسها، فقد وجد الطريق سالكاً للحصول على امتيازات وقروض مصرفية لتأسيس شركة خاصة تعمل في مجال الخدمات والمعلوماتية، وحاز بسبب هذا النفوذ على صفقات خارج القانون، ونقل جزءا من ثروته إلى الخارج، فاقتنى عقارات في دبي وبرشلونة، كانت محل تحقيقات معمّقة من قبل القضاء وأجهزة مكافحة الفساد وتم استدعاؤه إلى المحكمة قبل أشهر، ونفى التهم الموجهة إليه.

يمكن الحديث في السياق عن العديد من الأمثلة عن استغلال السلطة والنفوذ واستفادة أبناء المسؤولين من الامتيازات والحصول على تسهيلات غير قانونية للاستيلاء على عائدات مالية وعقارات، وعقود عمل وتمثيل لكبرى الشركات الدولية، إذ استفاد كل من خلدون وسينا، وهما نجلا وزير الطاقة السابق شكيب خليل، من نفوذ والدهما للعمل كوسيطَين لصالح شركات نفط أجنبية حصلت بموجب ذلك على عقود في الجزائر، مقابل دفعها علاوات لهما (خليل ونجلاه مطلوبون من قبل القضاء الجزائري منذ عام 2014).

وقبل سنوات، استغل فريد بجاوي اسم عمه وزير الخارجية الأسبق محمد بجاوي ونفوذه، للحصول على صفقات لصالح شركات نفط وغاز أجنبية مقابل حصوله على علاوات ورشاوى، وهو يوجد منذ أغسطس/آب 2013 على لائحة الإنتربول للمطلوبين دولياً بسبب ملاحقته في الجزائر في قضية ما يعرف بقضية "سوناطراك" (شركة المحروقات الجزائرية). ناهيك بعشرات الأمثلة عن استفادة أبناء المسؤولين من التعيينات في مناصب دبلوماسية في الخارج، على غرار مهدي ريمون نجل وزيرة التربية السابقة نورية بن غبريط، العضو في البعثة الأممية في نيويورك، واستفادات أخرى من شقق سكنية ومنح وامتيازات مختلفة، بعضها لم يتم التعامل معه.

باحث جزائري: تعميم الفساد نوع من تقسيم المغانم، لأجل ضمان سكوت كل الأطراف وشراء ذممها
 

يعتقد الكثير من المتابعين لقضايا العلاقة بين الفساد وأبناء رجالات السلطة والجيش وعائلاتهم، أن هذه الظاهرة تستمر في كل المراحل وتنتقل من مجموعة إلى أخرى حسب ظروف وطبيعة السلطة الحاكمة، وتتزايد أكثر في المراحل التي تتوفر فيها الأموال في الخزينة العامة، على غرار العقدين الأخيرين ولا سيما في ظل حكم بوتفليقة. ويؤكد الباحث والأكاديمي محمد ضيف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "توزيع الفساد وتعميمه، تحوّلا في بعض الفترات إلى أسلوب حكم، وهما نوع من تقسيم المغانم لأجل ضمان سكوت كل الأطراف وشراء ذممها، وتوريط الجميع للجميع ليصبح من غير الممكن لأي طرف استهداف الآخر". ويضيف أن "غياب الإصلاح السياسي والمؤسسات الديمقراطية في الجزائر هو ما يتيح للمجموعات الحاكمة ومجموعات النفوذ التلاعب بالمال العام، والحصول على العائدات والامتيازات خارج القانون"، لافتاً إلى أنه "على الرغم من المحاكمات التي تمت والقضايا التي انكشفت، فإن لا شيء يمنع تكرار قضايا مشابهة واستفادات لأبناء المسؤولين الحاليين من امتيازات خارج القانون، لأن المؤسسات الرقابية والقضاء والصحافة والإدارات ما زالت مسيجة بالإكراهات السياسية وغير قادرة على إنفاذ القانون وتطبيقه بحذافيره، بحيث تتدخل عوامل أخرى وسلطة الأمر الواقع في التطبيق المشوّه للقوانين".