أبناء الأردنيات والخوف على الكعكة

25 مايو 2014
+ الخط -
ثبت، في موضوع حقوق أبناء الأردنيات، أن كل مظاهر الإصلاح الشكلي لن تتمكن من النيل من سيطرة النظام الأمني على كل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الأردن. فقد أصدرت اللجنة الوزارية التي تشكلت لبحث ما يمكن منحه من حقوق، أو مزايا لأبناء الأردنيات المتزوجات من أجانب، توصيات لم تتضمن جديداً، وإنما مجرد تكرار لما هو مُطبق فعلياً منذ سنوات، بل، وفي بعض المناحي، شكلت تراجعاً، وميزت بين النساء الأردنيات طبقاً لجنسية الزوج.
أسوأ ما حدث في توصيات تلك اللجنة تكمن في الرسالة التي تحملها، حيث من المفترض أن اللجنة ليست جهة لاتخاذ القرار، وإنما رفع التوصيات للحكومة صاحبة الولاية بذلك. ولكن، الحقيقة أن اللجنة تمثل النظام الأمني صاحب الولاية الحقيقية، وبالتالي فإن طريقة الإعلان عن التوصيات كانت بهدف جعل الرسالة أكثر وضوحا: تستطيع الحكومة والمبادرة النيابية ومؤسسات المجتمع المدني، وغيرها، أن يتفقوا على ما يشاءون، لكن القرار النهائي لدى دائرة المخابرات العامة!
أخطر ما يواجهه الأردن هو الانقسام، مجتمع ممزق منذ سنوات طويلة لضمان استئثار الحكم بالسلطة والثروة معاً، مجتمع محاصصة بالمطلق، وهذه المحاصصة تظهر في مختلف المؤسسات التي يتم يعينها النظام الأمني الحاكم، وتشمل بالتأكيد الحكومات ومجالس النواب والأعيان والمؤسسات العامة والأجهزة الأمنية والعسكرية والقضاء. وبالتالي، ما يحكم تلك المؤسسات هو الخوف من الآخر، ولا أتكلّم، هنا، عن المواطنين الأردنيين، فهم على اختلاف أصولهم يعانون من التهميش، ولكني أتكلم عن الفكر الحاكم والعقلية التي تدير مفاصل الدولة، فالخوف هو من دخول طرف جديد إلى تلك التقسيمة، فتصغر حصص الكعكة. هذه العقلية هي عقلية اللجنة التي نسّبت، بما نسّبت، في موضوع حقوق أبناء الأردنيات، وهي عقلية الموظف الذي يكتشف أنه أقوى من الدستور، عندما يملك صلاحية سحب جنسية مواطن أردني، لأنه من أصول فلسطينية، هذه العقلية التي تحاول إقناع المجتمع أن تحرير فلسطين يجب أن يمر من خلال معاناة الأطفال من أبناء الاردنيات من أزواج فلسطينيين، وبالتالي، تعتبر استثناءهم من أعمال المقاومة.
وكنتيجة طبيعية لهذا الانقسام وتلك المحاصصات، نجد أن الخلاف المجتمعي، أيضاً، ليس خلافاً فكرياً ثقافياً حضارياً حول حقوق المرأة ومساواتها بالرجل، وإلا لكان المجتمع منقسماً حول هذا الموضوع على أسس مختلفة، يمين/ يسار، أو محافظ/ ليبرالي، أو علماني/ ديني، إلى ما هنالك من تقسيمات، تقوم على أساس الفكر أو الأيدولوجيا أو المنظور. ولكن واقع الحال أن الانقسام يحمل بعداً آخر، يؤشر إلى درجة الخطورة التي يمر بها المجتمع، وهو الانقسام على أساس الأصول بين الأردنيين والأردنيين من أصل فلسطيني. من هنا، نجد أشخاصاً لا يزالون يحرمون بناتهم من الميراث يتصدرون حملة الدفاع عن حق أبناء الأردنيات في مساواتهم بأبناء الأردنيين، كما أن يساريين ليبراليين يتصدرون حملة الهجوم، ورفض حقوق أبناء الأردنيات.
لا تقوم الدولة المدنية الديمقراطية إلا على أساس المواطنة ونبذ المحاصصة. والحق دائماً هو حق فردي للمواطن الأردني، ولا يوجد حقوق جمعية، لا مكتسبة ولا منقوصة. وكل من يطالب بحق جمعي للمواطنين، سواء على أساس الأصل الفلسطيني، أو على أساس المناطقية داخل الأردن هو بالنتيجة يطالب بحصة من الفساد، وهذه جريمة يجب أن تُضاف إلى الجرائم الموصوفة في قانون العقوبات. وعليه، ومع إيماني المطلق أن المرأة كالرجل، لها الحق في منح أبنائها كامل الحقوق الدستورية للأردني، وليس حقوقاً مدنية، أو مزايا، إلا أن على من يُطالب بهذا الحق أن يطالب، أيضاً، بحق المرأة بالمساواة في مختلف المناحي، ومنها، على سبيل المثال، في الميراث والزواج والطلاق والعقوبات.. إلخ وإلا اعتبرت مطالبته مشبوهة، وذات مصلحة وأهداف محاصصة، تبتعد عن حقوق الإنسان الطبيعية.
 
72BBC227-315B-4FB0-A791-2EB943C27E33
72BBC227-315B-4FB0-A791-2EB943C27E33
عمر العطعوط (الأردن)
عمر العطعوط (الأردن)