اعتادت مجلة "ريدرز دايجست" الأميركية منذ زمن بعيد على عرض قصص إنسانية ملهمة بعنوان "أبطال كلّ يوم". تشير في هذه القصص إلى أشخاص حقيقيين يعيشون بيننا.. في مجتمعاتنا وليسوا خرافات. هم ليسوا في حاجة إلى قوى خارقة للطبيعة من أجل انتشال غريق مثلاً، أو إنقاذ شخص من حريق، أو مساعدة الشرطة في القبض على لص، أو حتى مساعدة فقير بمبلغ من المال. لكنّهم يمتلكون شيئاً فريداً لا شكّ.
جميلة هذه القصص إذ تشير إلى "إنسانية" لها بنيتها الخاصة التي تنتقي صفات الطيبة والشهامة والإيثار وصولاً إلى الإيمان أنّ الخير هدف في حدّ ذاته. هي "إنسانية" مختلفة عن "إنسانية" أخرى تشق طريقها بسرعة كلّما تسنى لها، فتتسلح بالقتل والاستبداد والظلم والتمييز والقهر والقمع والتسلّط والغش والكره والخيانة والنميمة وغيرها مما شكّل لازمة لاجتماعنا البشري. يجادل البعض أنّ النوع الثاني من "الإنسانية" ليس من الإنسانية الحقّ بشيء، ولا بدّ من إعلاء شأن الأول وحده. بينما يردّ آخرون أنّ الإنسانية إنسانية بشقيها السيئ والحسن على حدّ سواء.
دعونا مع النوع الأول وأبطاله، فهناك قصص لأبطال آخرين ربما لا ينتبه لهم كثيرون. هؤلاء الأبطال قد لا يقصدون "البطولة" باختلاف مراتبها، لكنّ فعلاً معيناً لهم قادر على التأثير في الآخرين بشكل لا يمكن تجاهله، ولو جرى تجاهل "البطل" الذي صنعه غالباً.
من بين هؤلاء الأبطال ذلك الشخص الذي يزرع عصا أو قضيباً معدنياً في حفرة كبيرة ولدت من دون سابق إنذار على طريق سريع.
على الطريق نفسها، من بينهم ذلك المجهول العظيم الذي يفتح ثغرة في مطبّ مجهز حديثاً، تكفي لمرور دراجة نارية من دون أن تضطر إلى القفز مع سائقها مرة بعد مرة، حتى يجد نفسه لدى الميكانيكي يصلح مصباحاً فلت سلكه، وملقطاً يكاد ينكسر.
من بينهم أيضاً ذلك الفتى الذي انتظر طويلاً في سنوات الحرب دوره في طابور الخبز.
وعندما حصل على ربطة، أعطاها لمسنّ كان يقف في آخر الطابور، وعاد للوقوف مجدداً، ينتظر دوراً قد لا يأتي هذه المرة.
من بينهم كذلك، موظف حكومي يعلم تمام العلم أنّ الإدارة فاسدة من أعلى درجاتها الوظيفية إلى أدناها، مع ذلك، يرفض أن يجاري الفساد والفاسدين مهما قيل عنه سراً وعلناً: "أبله".
ومن بينهم، بل أسماهم، تلك الفتاة الحلوة النابضة بأجمل معاني الحياة. تلك التي يكفي حضورها في أيّ مكان مهما كان موحشاً وغارقاً في الرتابة، كي تعطيه من روحها الشغوفة بالحرية، المزدانة بالربيع الطري، فتبدّل طبيعته. تلك البطلة فعلاً التي تأسر العقل والقلب معاً، وتلوّن الواقع، فيغدو حلماً ممتعاً معها.